من مواسم الإسراف !!
لقد أحسن أستاذنا وشيخنا فضيلة الشيخ عبدالله حافظ إمام وخطيب جامع الرصيفة بمكة المكرمة كعادته وفقه الله ورعاه في اختيار موضوع خطبته الجمعة الماضية ، حيث خصصها للحديث عن مظاهر الإسراف و الإستغلال فيما يسمى في عرف التجار بموسم (العودة إلى المدارس) ، ووجه حفظه الله أولياء الأمور إلى الاقتصاد عند شراء احتياجات الأبناء من الأدوات المدرسية
والبعد عن الإسراف والتبذير ، والإستفادة من الصالح للإستعمال من أدوات العام الماضي .
فالملاحظ أن هناك الكثير من الأدوات المدرسية التي تم شراءها في العام الماضي صالحة للإستعمال لهذا العام ، خصوصاً ما تم شراؤه في الفصل الدراسي الثاني أو قبيل الامتحانات النهائية ، وبمراجعة احتياجات أبناءنا وبناتنا من الأدوات المدرسية نجد أن معظمها مما يمكن الاستفادة منه لأكثر من عام ، فالأقلام والمراسم والمساطر وعلب الهندسة والمسّاحات والبرايات والحقائب وغيرها ، يمكن للطالب أو الطالبة لو حافظ عليها وأحسن استخدامها الاستفادة منها في العام الدراسي الجديد .
وفي معرض حديثه حفظه الله عن استغلال أصحاب المكتبات لهذا الموسم برفع الأسعار ، أشار إلى أننا نحن السبب في هذا الاستغلال بإقبالنا الشديد على الشراء لما نحتاج وما لانحتاج ، وقد ذكّرتني هذه الإشارة بتجربتنا مع الهاتف الجوال في بداية الإعلان عنه ، حيث كانت هناك معارضة شديدة من البعض لدفع قيمة الخدمة قبل تقديمها بفترة طويلة – تجاوزت العام والنصف حتى الآن لعدد كبير من المشتركين – ، ولكن فيما يبدو لمعرفة الوزارة بسلوكياتنا لم ترجع عن قرارها ، وبالفعل عندما فُتح الباب كان الإقبال مشجعاً للوزارة لتطبيق التجربة في المستقبل لأي خدمة جديدة قد تُطرح للجمهور .
ولكون المكتبات تعمل في سوق مفتوح ، والمنافسة شديدة بينها لكثرة انتشارها ، فإنني لا أرى أن هناك استغلالاً أو مبالغة في الأسعار في المجمل ، وإن كان هناك استغلال فهو على مدار العام وليس في الموسم فقط ، وهو استغلال لعاداتنا في الشراء لما نحتاج ولكثير مما لانحتاج ، وكذلك من جانب المكتبات التي تخصصت في البيع لأصحاب الثراء مستغلة الجانب النفسي لدى البعض من هؤلاء الذين يدفعون أضعاف قيمة السلعة مقابل أن يفاخروا بشرائها من المكان الفلاني أو الماركة الفلانية .. فذهبت تلك المكتبات تُرضي غرورهم وتُشبع رغباتهم في التفاخر والتباهي .. وتحقق من وراء ذلك أرباحاً لابأس بها .
لذا فإن الأجدى في الاصلاح – من وجهة نظري – هو التركيز على دور الآباء والأمهات في هذا الجانب ، وتذكيرهم بأن مسؤولية التوجيه والتقويم وتصحيح سلوكيات النشء تقع على عاتقهم ، وأن الكثير من السلوكيات الخاطئة التي نراها في مجتمعنا ونعاني من آثارها الضارة ، إنما هي نتيجة لتراخيهم وتخليهم عن دورهم الأساسي في التربية والتقويم والتوجيه وجعل ذلك من مسؤوليات الخادمات والمربيات والمدارس .
واعتقد أنه بتوجيهنا للأبناء والبنات بالمحافظة على أدواتهم المدرسية -وهي ما نحن بصدده- وبحسن استخدامها خلال العام الدراسي ، وبتحذيرهم من الوقوع في دائرة الإسراف والتبذير إن هم أهدروا قيمة تلك الأدوات بالإهمال أو سوء الاستخدام ، سنحاصر هذه الظاهرة السلبية ، وليس ذلك فحسب بل سنساهم في محاصرة الكثير من مظاهر الاسراف والتبذير التي أصبحنا نعيشها مواسم متلاحقة وبشكل يومي ، فلا نكاد نخرج من موسم إلا ودخلنا موسماً آخر ، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الإجازة الصيفية مرت علينا عدة مواسم بدأت بموسم هدايا النجاح ثم بموسم السفر وموسم الأفراح وجاء في آخرها موسم العودة إلى المدارس ، وأنا هنا لا أنتقد المواسم في ذاتها وإنما الانتقاد ينصب على المبالغات التي نقع فيها والاسراف والتبذير ، وأما القوام والإعتدال فلابأس . فالله عز وجل يقول في وصف من وصفهم ابتداءً بعباد الرحمن : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} .
إن حُسن التربية وهو دور الآباء والأمهات بالدرجة الأولى يحقق أضعا ف ما تحققه حملات التوعية التي تبثها وسائل الاعلام المختلفة بأهمية الترشيد في الاستهلاك والبعد عن الاسراف والتبذير وإهدار ثروات الأمة ، حيث أن التنشئة الصحيحة وتقويم السلوك في مراحل العمر المبكرة تمتد آثارها إلى شتى مناحي الحياة وجميع مراحل العمر ، بل وإلى الأجيال اللاحقة .
وأما الاقتراح الذي عرضه فضيلة شيخنا عبدالله حافظ وفقه الله حول قيام بعض الشباب بجمع المستلزمات المدرسية المستعملة وتصنيفها ومن ثم توزيعها على من يحتاجونها ، فإنني أرجو كذلك أن تقوم الجمعيات الخيرية بهذا الدور ، وتعلن عن ذلك قبل بدء الدراسة بوقت كاف ، وتحدد أماكن استقبال التبرعات من هذه المستلزمات ، ليتم تصنيفها وتوزيعها وإيصالها إلى مستحقيها ، وهو باب خير كبير يُفتح لمحبي الخير .
جعلنا الله جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر .. والله المستعان .
17/4/ 1417هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 19/4/1417هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 12198 صفحة رقم : 11 (الرأي) .
التعديل : تم حذف ما تحته خط .
12198 التجارة و الصناعة الرأي 19/4/1417هـ المدينة رابط المقال على النت http://