لاشك أن قضية إيجاد فرص عمل للشباب السعودي حديث التخرج أمر بالغ الأهمية ، فبطالة ستة أشهر للشاب كفيلة بتغيير مجرى حياته – كما يرى بعض علماء الإجتماع – والتأثير سلبا على سلوكياته وانتاجيته وكفاءته العملية
. وتوظيف الشباب السعودي تحتاج الى تظافر جميع قطاعات المجتمع لدراسة القضية من جميع جوانبها ووضع الحلول المناسبة لها والكفيلة بالحد منها إن لم نقل القضاء عليها ولكن دون خلق مشاكل أخرى قد تفوقها في الأضرار والخسائر .
ولقد تابعت كما تابع غيري بعض مساهمات الأساتذة الكتّاب على صفحات الجرائد في دراسة بعض جوانب القضية واقتراح بعض الحلول والتي تركز معظمها حول وجوب مساهمة القطاع الخاص في حل هذه المشكلة من خلال إحلال الشاب السعودي مكان زميله الأجنبي فيما يسمى بسعودة القطاع الخاص .
ولا أعتقد أن لدى القطاع الخاص أي تحفظ على هذه الدعوة وذلك لسببين الأول : أن القطاع الخاص هو قطاع وطني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ورجاله يعيشون هموم وطنهم وليسوا بمعزل عنه ، وأما السبب الثاني : فهو أن هذا القطاع الخاص يمارس هذا الدور في الواقع و أتاح بالفعل فرص عمل كثيرة جدا واستوعب الآلاف من الشباب السعودي المؤهل وفي مواقع مختلفة . ولا أدل على ذلك من الأعداد الكبيرة التي استوعبتها البنوك والشركات المساهمة الكبرى كسابك وشركات الاسمنت وغيرها .
ولكن ما لفت نظري في معظم مساهمات الأساتذة الأفاضل هو الهجوم العنيف على القطاع الخاص ووصفه بالأنانية وعدم الوطنية . فعلى سبيل المثال – فقط -جاء في مقال للأستاذ الدكتور فهد العرابي الحارثي بعنوان (كي يسمعنا القطاع الخاص) نُشر في جريدة عكاظ عدد الأحد 22/10/1414هـ :”لكن تلك النظرة على ما فيها من بريق مريح ماتنفك تصطدم بواقع مختلف يظهر فيه القطاع الخاص على جانب ملحوظ من الأنانية وعدم التأثر المأمول بأناشيد الوطنية التي لا تخلو من حماسة ملفتة . القطاع الخاص يحسبها بالأرقام فالأناشيد والعواطف والأحاسيس لا تكفي أبدا من أجل أن يغير أو يبدل مواقفه .” انتهى كلام الدكتور الحارثي . وقد طالب الدكتور الحارثي بتدخل الدولة بشكل مباشر لإلزام القطاع الخاص بتشغيل السعوديين ، وطالب غيره بفرض حد أدنى للرواتب ، وتحقيق الأمن الوظيفي في القطاع الخاص لكي يُقبل الشباب السعودي على العمل في القطاع الخاص ..
وهم بوجهة نظرهم هذه للقضية – وهم من خارج القطاع الخاص وهمومه – يظلمون رجال الأعمال وهم المعنيون بالقطاع الخاص عندما يصرِّحون بوصفهم بالأنانية ، وينزعون عنهم رداء المواطنة الصالحة ، ويتهمونهم بالجحود وعدم رد الجميل والتقاعس عن القيام بدورهم في هذا المجال و و و …. الخ
وكأني بهم يريدون تحقيق مزايا موظف القطاع الحكومي في القطاع الخاص .. راتب مرتفع ووظيفة مضمونة ومحصنة ضد الفصل .. في حين أن القطاع الخاص قطاع يتميز بأنه يهدف الى الربح وتحقيق المزايا المشار إليها يُخل بهدف الربحية ، والإخلال بهدف الربحية قد يقضي على شيء إسمه القطاع الخاص .
وفي الواقع أن ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع ليس الدفاع عن رجال الأعمال والقطاع الخاص الذي انتمي إليه بقدر ما هو عرض لوجهة نظر القطاع الخاص المتهم بالأنانية وعدم الوطنية والعقوق .. ولعله من محاسن الصدف – كما يقولون – أنني بعد فراغي من كتابة هذا المقال مباشرة ليلة السبت الماضي عرض التلفزيون السعودي حلقة هذا الأسبوع من برنامج دعوة للحوار – هذا البرنامج الحضاري الذي طالما انتظرناه ونشكر القائمين عليه – والتي كانت مخصصة لنفس القضية وهي سعودة القطاع الخاص ، وقد بدى على بعض أطراف الحوار نفس الروح التي كتب بها الكتّاب الأفاضل ووجهوا نفس التهم للقطاع الخاص ، ولكن ماسرني فعلا هو وجود من يمثل القطاع الخاص في ذلك الحوار لعرض وجهة نظره ولدفع التهم الموجهة إليه .
عموما يبدو أن قضية سعودة القطاع الخاص مطروحة بإلحاح هذه الأيام والحديث عنها ذو شجون ، والدعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في هذا الحوار ولكن بشرط التزام الجميع بالموضوعية والواقعية والإحساس بأهمية المشاركة في الحل ، أما الاتجاه باللائمة على طرف دون الآخر لن يجدي .
والحديث موصول بإذن الله .
20/5/1416هـ فائز صالح محمد جمال
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 21/05/1416هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 11881 صفحة رقم : 13 (الرأي) .
التعديل :
11881 عمل و توظيف الرأي 21/05/1416هـ المدينة رابط المقال على النت http://