حجاج الداخل والأنظمة التي تدفع للمخالفة
كتب أخي الدكتور أحمد درباس حول قرار وزارة الحج القاضي بعدم التصريح للمواطن و المقيم بالحج إلاّ بعد تعاقده مع إحدى مؤسسات حجاج الداخل ، وإبراز العقد لإدارة الجوازات التي ستمنحه التصريح ، و رأى الدكتور الدرباس أن في المساواة بين المواطن والمقيم ما يفقد المواطن الميزة النسبية للمواطنة ، و أن القرار أثقل كاهل المواطن بتكاليف باهظة جداً ، وفي مقاله الأخير بهذه الصحيفة الذي نُشر الثلاثاء الماضي تحت عنوان (المتاجرة في العقود) أشار إلى نشوء سوق سوداء لبيع وشراء العقود لزوم تصاريح الحج ، و ذكر نقطة هامة جداً وهي المتعلقة بدفع المواطن لممارسة التدليس و الالتفاف على الأنظمة ..
وأنا بداية أود أن أضم صوتي مع الأصوات التي تعالت معترضة على القرار من جهة التكاليف الباهظة التي سيتكلفها حجاج الداخل نتيجة لإلزامهم بمؤسسات حجاج الداخل ، وأرى في ذلك تضييقاً على المواطن الراغب في أداء النسك ليس له ما يبرره من وجهة نظري ، و ذلك من خلال رفع سقف الاستطاعة المادية إلى مستوى عالٍ جداً خصوصاً للعوائل ذات العدد الكبير .
بل و من خلال هذا القرار أصبح حجاج الداخل يدفعون أكثر من الحجاج القادمين من الخارج ، فالحجاج القادمين من الخارج يدفعون حسب تعليمات الحج لهذا العام 1029 (ألف وتسعة وعشرون) ريالاً كأجور شاملة للحج و زيارة المدينة المنورة ، وهي تشمل السكن في عرفة و منى و الانتقالات بحافلات مكيفة منذ وصول الحاج إلى المملكة و حتى مغادرته مروراً بزيارة المدينة المنورة ، بينما أقل مبلغ لحجاج الداخل لنفس الخدمات وبدون زيارة المدينة المنورة لا يقل عن ألفي ريال للشخص ..
ثم أود أن انتقل إلى النقطة الأهم التي أشار إليها الدكتور أحمد درباس والمتعلقة بدفع المواطن للتدليس والالتفاف على الأنظمة ، فأقول بالفعل أن هناك بعض الأنظمة التي لم تأخذ نصيبها من الدرس و التمحيص والتأكد من إمكانية تطبيقها على أرض الواقع ، أدت إلى توافر مناخ يدفع المواطن المعني بتطبيق النظام إلى التحايل و التدليس و الالتفاف عليه ، وذلك لصعوبة التطبيق في الواقع ، قد يقول قائل أنه في كل نظام يوجد حالات التفاف بهدف تجاوزه ، وأنا أوافق على ذلك و لا أختلف مع القائل بذلك باعتبار أن ذلك شذوذ و ليس القاعدة أو هو من النادر الذي لا حكم له ، و لكن ما أعنيه أن يكون الالتفاف على النظام هو الغالب من قبل المتعاملين معه ، وعلى سبيل الاضطرار لصعوبة التطبيق .
و سأذكر بعض الأنظمة على سبيل المثال تؤكد أن صعوبة التطبيق تدفع إلى الالتفاف والتحايل عليها ، و أرجو أن يتسع صدر الجهات المعنية بالأنظمة التي سأذكرها ، لأنني لا أقصد إلاّ الصالح العام لمجتمعي وبلدي ، فمن هذه الأنظمة والقرارات :
1- قرار السعودة الذي ينص على وجوب زيادة نسبة السعودة في المؤسسات التي يزيد عدد العاملين فيها عن عشرين موظفاً بمقدار 5 % سنوياً ، و إلزام المؤسسات بذلك و المؤسسة التي لا تلتزم يتم تعطيل جميع معاملاتها لدى مكاتب العمل ، و لا تُمنح احتياجاتها من تأشيرات استقدام العمالة ، فهذا القرار أدى إلى ظهور وظيفة جديدة اسمها وظيفة سعودة ، وهذه الوظيفة تمنح لبعض السعوديين براتب متدنٍ و ذلك مقابل تسجيلهم في سجلات المؤسسات التي ينطبق عليها النظام للوصول للنسبة المطلوبة ، وقام البعض بتسجيل بعض الأسماء لمعارف و أقرباء فقط لتحقيق النسبة وذلك تفادياً لتعطيل معاملاته لدى مكاتب العمل و إرباك العمل في مؤسسته ، و كل هذا ناتج عن عدم إمكانية تحقيق القرار عملياً ، وبذلك لم نحقق الهدف من النظام ، بل وأوجدنا بطالة مستترة من نوع آخر قد تكون أكثر فساداً من أختها ، و رسّخنا من حيث لا نشعر سلوكيات رديئة في بعضنا .
2- النظام أو القرار الآخر هو قرار منع طبع و استيراد المصاحف بعد تأسيس مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، و ذلك منذ حوالي أربعة عشر عاماً ، فعلى الرغم من المنع و لكل هذه السنوات لا تزال كميات كبيرة من المصاحف تدخل إلى الأسواق ، و معنى هذا أن هناك أساليب تُتبع للالتفاف على النظام و إدخال كميات كبيرة من المصاحف بطرق غير نظامية ، و أن هناك يمارس هذه الأساليب .
هذان المثالان يؤكدان أن الأنظمة لم تؤت ثمارها ، و أدت إلى دفع المواطن إلى الأساليب الملتوية للالتفاف على الأنظمة ، و هي بذلك وفرت بيئة مناسبة لتكاثر المخالفات و احتراف طرق التدليس و الالتفاف على الأنظمة ، و انتشار الفساد والرشوة و الخداع .
وأنا ولأهمية الموضوع أتمنى على القراء الكرام و الكتّاب الأفاضل المساهمة في مناقشة هذه المسألة ، لنتبين مدى تسبب بعض الأنظمة غير القابلة للتطبيق بشكل عملي في انتشار الفساد -من غير قصد بالطبع- ..
والله من وراء القصد .
26/11/1420هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02E-mail: fayezjamal@yahoo.com
بيانات النشر
نُشر يوم : الأحد الموافق 28/11/1420هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12572 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12572 الحج و الطوافة صفحة الرأي 28/11/1420 الندوة رابط المقال على النت http://