حتمية البناء في مشعر منى

by Admin

حتمية البناء في مشعر منى

مشعر منى كما هو معروف يستقبل سنوياً في أيام محدودة عدة ملايين من حجاج بيت الله الحرام ، وهؤلاء الحجاج يحتاجون في عيشتهم هذه الأيام المعدودة إلى جميع الخدمات والتسهيلات التي تُقدم إلى سكان أي مدينة في العالم ، لذلك نجد أن الحكومة تجند جميع أجهزتها وإمكانياتها لتوفير هذه الخدمات والتسهيلات لضيوف الرحمن ، ليتمكنوا من أداء نسكهم بيسر و في أمان .

و لعل القرار الذي اتخذه ولاة الأمر على إثر الحريق الهائل الذي شبّ في مشعر منى يوم التروية عام 1417هـ و أتي على ما يزيد عن سبعين ألف خيمة ، وهو البدء في تنفيذ مشروع الخيام المقاومة للحريق يُعد أبرز وأحدث مثال على حرص حكومة هذه البلاد الطاهرة على تحقيق أمن وسلامة الحجيج . والناظر للخيام المقاومة للحريق كفكرة يجد أنها حققت بفضل الله هدف الأمن و السلامة من جانب الحريق و قلصت مخاطر نشوب الحرائق في المخيمات إلى أدنى حدودها ، ولكن إذا فكرنا في أمن وسلامة ضيوف الرحمن بالمفهوم الأشمل و أمعنا النظر نجد أن بديل الخيام غير قادر على درء مخاطر حقيقية أخرى عدا مخاطر الحريق سيما في المستقبل .

فمثلاً مشكلة الإفتراش -وهي أم المشاكل- لن تحلها الخيام المقاومة للحريق ، لأنها برزت في أثر الهدميات المتتالية للمباني في منى و تقلص الطاقة الاستيعابية للإسكان فيها ، في الوقت الذي تزايدت فيه أعداد الحجاج باطراد ، و العزم على هدم 131 عقاراً هذا العام لإقامة خيام مقاومة للحريق مكانها سيزيد من حجم المشكلة . و عندما نقول أن ظاهرة الافتراش هي أم المشاكل فذلك لكونها تعيق جميع الخدمات و تتسبب في تدني مستوياتها ، على الرغم من بذل الجهود الكبيرة والأموال الطائلة ، ومثال واحد يجسد حجم خطورة ظاهرة الافتراش ، و هو تسببها في تأزم حركة المرور بحيث تكاد تكون شبه متوقفة سيما في منطقة الجمرات قلب منى النابض ، وتوقف حركة المرور يعني إعاقة جميع خدمات الإنقاذ والإسعاف في حالات الطوارئ وهذا يشكل مخاطر جمة وله آثار كارثية ، و هو يتعارض تماماً مع هدف أمن وسلامة الحجيج .

و بطأ حركة المرور يعيق حركة النقل بواسطة المركبات داخل منى ، و هو ما يدفع كثير من الحجاج للإقامة قرب الجمرات و افتراش الساحات المحيطة بها ، و بديل الخيام المقاومة للحريق لن يسمح لنا بالتوسع في شبكة الطرق والجسور ، لتحسين خدمة النقل لضييق مساحة منى أصلاً .

مقار الجهات الحكومية الخدمية الميدانية في حالة الخيام أيضاً تشكل ضغطاً على الطاقة الاستيعابية للإسكان في منى . و خدمات الطعام كذلك تفتقد البنية التحتية المناسبة ، وهي الآن ليست بالأعداد الكافية ، والزحام حولها مشاهد وملموس ، فالطوابير تمتد لأكثر من ثلاثمائة متر أحياناً  ، و توزيعها جغرافياً غير متوازن لا يتناسب مع كثافة السكان .

و إذا نظرنا للمستقبل القريب و البعيد وأخذنا في الاعتبار التزايد المطرد في أعداد الحجاج ، و تطور مستوى الخدمات و حاجات الإنسان الذي يقدم من أصقاع الدنيا لأداء مناسك الحج ،  ونظرنا إلى أهداف الأمن والسلامة والراحة واليسر والسهولة بالمفهوم الشامل ، نجد أنه لابد لنا من إعادة النظر في الخيام كفكرة وكبديل للإسكان في منى ، و التحول إلى فكرة البناء متعدد الأدوار ، إذ لا يمكن مع استمرار بديل الخيام زيادة الطاقة الاستيعابية للاسكان في منى ، و لا التوسع في شبكة الطرق والجسور لتيسير وتسييل حركة النقل أيام التشريق في منى ، و لا توفير الخدمات المختلفة بالشكل المطلوب الذي يفي بالغرض ويحقق الأهداف المنشودة . و لا يُتصور تحقيق ذلك إلاّ من خلال البناء الحديث في منى وفق مخططات مدروسة بعناية تأخذ في اعتبارها توفير جميع الخدمات و تحقيق جميع الأهداف ، و كذلك التطور المستقبلي لقرن من الزمان ، وهو أمر لا يعجز عنه المخططون بإذن الله .

إذاً نحن فيما أتصور و من خلال المعطيات والمحاذير التي أشرت إليها آنفاً أمام حتمية البناء في منى لا مفر منها ، فلماذا لا نبادر من الآن إلى اتخاذ خطوات إيجابية في هذا الاتجاه بدلاً من إنفاق المزيد من مئات الملايين  على مشروع الخيام المقاومة للحريق ، الذي أتى هذا العام حتى على المباني الخرسانية التي لا تشكو من مخاطر الحريق كما هو الحال مع الخيام التقليدية ..

و بناءً على ما تقدم فإنني أرجو من القيادة الحكيمة النظر في إيقاف مشروع الخيام المقاومة للحريق والاكتفاء بما تم منه ، وإتخاذ قرار حاسم وسريع بنفس القدر الذي اتخذ به قرار مشروع الخيام المقاومة للحريق في إتجاه بناء منى .  والله الملهم الجميع الصواب وهو ولي التوفيق .

 

4/7/1420هـ     فائز صالح محمد جمال      فاكس 5422611-02 Email: fayezjamal@yahoo.com


بيانات النشر

نُشر : يوم : السبت الموافق 7/7/1420هـ

في صحيفة : الندوة           رقم العدد : 12457        صفحة رقم : 4 (الوطن) .

التعديل : لا يوجد .

 

12457 المشاعر المقدسة الوطن 7/7/1420 الندوة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق