إلى متى ؟؟ (4)
الطوافة و المطوفون
تركزت علامة الاستفهام (إلى متى؟) في مقال الأسبوع الماضي حول شئون وشجون الطوافة و المطوفين ، و بالذات حول النظرة السلبية للمطوفين ، والتي أدت إلى اتخاذ مواقف و إلى إصدار أحكام مسبقة بشأنهم و مهنتهم ، وأشرنا إلى ما تسببت فيه هذه النظرة السلبية من جمود التطور الطبيعي للمهنة ، و تراجع مستويات الأداء عما هو مأمول ، و ذكرنا كيف أدت هذه النظرة السلبية إلى استبعاد المطوف عن المواقع الفاعلة في تسيير و تطوير شئون مهنته و أساليب أدائها ، بل و استبعاد المطوفين في أحيان كثيرة من المشاركة في مراحل صنع القرارات المنظمة لأعمالهم ..
و نواصل هذا الأسبوع إثارة بعض التساؤلات حول مهنة الطوافة و المطوفين فنتساءل :
* إلى متى سيستمر تكليف المطوفين بالإشراف على مساكن الحجاج دون مقابل ؟
فكما هو معروف أن خدمة الإسكان في الأساس ليست ضمن واجبات المطوف تجاه الحاج ، و إنما كان المطوف يقوم بمساعدة الحاج بعد وصوله على اختيار المسكن الذي يناسبه ، وبطبيعة الحال سيكون ذلك في محيط تواجد المطوف ، وقد يتراضى الحاج مع المطوف على الحصول على مقابل لخدمات الإسكان أو الإعاشة وغيرهما ، وأما ما هو قائم الآن فهو حظر تقديم خدمة الإسكان أو التوسط فيها على المطوف فقط دون غيره من المواطنين ، و في نفس الوقت إجباره على الإشراف على مساكن الحجاج و استكمال أي قصور يحدث من صاحب العمارة أو البعثة دون أي مقابل ، و هو أمر لا يقره شرع أو عُرْف فهل هذا معقول ؟؟ إذ كيف يُكلف إنسان بتقديم خدمة دون مقابل ؟؟ بل و الأنكى من ذلك أن غيره يتحصل على مبالغ طائلة و لا يُكلف بتقديم تلك الخدمات التي كُلّف بها المطوف !! فمتى يتم إعادة الأمور إلى نصابها ، فيسمح بالمطوف و مؤسسات الطوافة أن تقدم خدمة الإسكان أسوة بغيرهم من المواطنين ، بل وأسوة ببعثات الحج الأجنبية ، و الإشراف على ما تقدمه فقط ، وتحصل مقابل ذلك على ما هو متعارف عليه مقابل مثل هذه الخدمات و بالمعروف ؟
* ثم إلى متى ستستمر هيئة الرقابة والتحقيق و هي مختصة بالجهات الحكومية في الرقابة على أعمال مؤسسات الطوافة وهي مؤسسات أهلية ؟؟
فكما هو معروف أن طبيعة العمل في الجهات الحكومية تختلف جوهرياً عن طبيعة العمل في المؤسسات الأهلية ، التي تتمتع بهامش كبير من المرونة وحرية الحركة ، وتسعى لأهداف مختلفة تماماً عن أهداف الجهات الحكومية ، و نعتقد أن ممارسة هيئة الرقابة والتحقيق للرقابة على مؤسسات الطوافة الأهلية قد فرض واقعاً هجيناً وغير طبيعي إن صح التعبير ، ففقدت مؤسسات الطوافة أهم مقوماتها في العمل كمؤسسات أهلية ، و في نفس الوقت و لم تحصل على أي من مميزات أو مقومات الجهات الحكومية .
وفي سياق الرقابة إلى متى سيظل العمل الرقابي من قِبَل الجهات الرسمية على المطوفين في المجمل منصرفاً إلى ضبط القصور وتحرير المحاضر و المخالفات ، و ليس بروح الرغبة في المعالجة و الإصلاح ؟؟ و هو ما تتطلبه طبيعة عمل المهنة و ظروف العمل في موسم الحج ، فالمطلوب أن تُبنى خطط الرقابة على استراتيجية المعالجة الفورية لأي قصور في الأساس ، ثم بعد ذلك يكون توثيق التقصير المتعمد -إن وجد- ، و التحقق من أسباب القصور و هل هي في نطاق إمكانيات وصلاحيات المقصر ، أم أن القصور فرضته ظروف خارجة عن إرادة المعني به ..
* ثم إلى متى ستظل مؤسسات الطوافة غير محددة الهوية ، أهلية هي أم حكومية ؟؟
فهي في الأساس مؤسسات أهلية -من الأصلح للعموم أن تكون كذلك- ، وكان من أهم بنود قرار تأسيسها أن تعمل وفقاً للمبادئ التجارية ، و لكن واقع الحال أن التعامل معها يتم في كثير من الأحيان وكأنها مؤسسات حكومية تابعة لوزارة الحج ، فمجالس الإدارة في المؤسسات الأهلية منتخبة ، و أما مؤسسات الطوافة فهي معيّنة من قبل وزارة الحج ، و المؤسسات الأهلية لا تخضع في الأساس لرقابة هيئة الرقابة والتحقيق ، ولكن مؤسسات الطوافة أُخضعت ، و المؤسسات الأهلية لا تتدخل أي جهة في تحديد رواتب العاملين فيها ، في حين أن مؤسسات الطوافة يتم تحديد رواتب العاملين في مكاتب الخدمة الميدانية من المطوفين ومسانديهم في وزارة الحج ، المؤسسات الأهلية تتمتع بمرونة كبيرة في تحديد أهدافها و اتخاذ الأساليب المناسبة لتحقيق هذه الأهداف ، و هذا أيضاً غير ما هو متحقق لمؤسسات الطوافة .. ، و كل هذا ناتج عن عدم الثقة في المطوف و ذات النظرة السلبية التي تحدثنا عنها ، وعليه فإنني أرى أن نجاح هذه المؤسسات الأهلية في تقديم خدمات متميزة لضيوف الرحمن لن يتم إلاّ من خلال تكريس هويتها الأهلية ، و اقتصار الرقابة عليها في حدود ما على المؤسسات الأهلية الأخرى دون زيادة أو نقصان ، وهذه الرؤية تدعمها شواهد كثيرة من الواقع ، ولم آتي بها من عندياتي ..
25/10/1419هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق 27/10/1419هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12246 صفحة رقم : 9 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12246 الحج و الطوافة الرأي 27/10/1419 الندوة رابط المقال على النت http://