حوادث المرور وتجربة الجوازات
ما أكثر ما نُشر حول حوادث المرور وما تحصده سنوياً من آلاف الأرواح وما تخلفه من إصابات تُعد بعشرات الألوف تتراوح بين الإصابات الخفيفة و الخطيرة والعاهات المستديمة و التي تصل إلى الشلل الرباعي والتي تحول الإنسان من إنسان ينبض بالحيوية ، منتج يضيف إلى مجتمعه الشيء الكثير مادياً ومعنوياً إلى مجرد كومة من اللحم تحتاج لمن يرعاها ويقوم باحتياجاتها في كل شيء من الألف إلى الياء ..
وكثر الحديث حول الأسباب .. و المتمثلة بشكل رئيسي في مخالفة أنظمة المرور عموماً و السرعة و قطع الإشارات بشكل خاص .. و تكرر الحديث حول الحلول المقترحة للتخفيف من هذا النزيف الكبير و المستمر لثروتنا الأهم وهي الثروة البشرية ، و معظم المتوفين والمصابين هم من الشباب ، والذين يُعدون -بعد الله- أمل الأمة ومستقبلها .. فهناك اقتراحات على المدى البعيد وهي تلك التي تتحدث عن دور التوعية والتربية وتنشئة الأجيال ، وأخرى ترى أن الحل في بسط النظام وفرض احترامه على الجميع دون تفريق -فالله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن- وهو في تصوري الحل الناجع والذي يغطي جميع الحلول ..
لاشك أن أهم خسائرنا من جراء الحوادث المرورية هم البشر فهم الثروة الحقيقية للوطن ، فالثروات خُلقت من أجل الإنسان ، و بدونه تفقد أهميتها و تغدو كل الثروات غير ذات جدوى .. ولكن ينبغي أن لا نغفل أيضاً الخسائر الاجتماعية التي تخلفها الحوادث المرورية من يُتْم و ترمُّل وفقر وعيلة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني البؤس ، وكذلك الخسائر المادية في السيارات و الطرق والممتلكات العامة والخاصة والتي تقدر بمئات الملايين .. إذن فالخسائر بشرية و اجتماعية ومادية .. والنزيف مستمر على مدار الدقائق وليس الساعات والأيام.
و في واقع الأمر أن هناك -كما أسلفت- طرح للمشكلة و حلول مقترحة عبر وسائل الإعلام بشكل يكاد يكون يومي ، ولكن الملاحظ أن التفاعل من قبل الإدارة العامة للمرور وإدارة أمن الطرق لم يواكب حجم المشكلة .
إن هناك من يردد أنه ليس من الممكن تخصيص رجل مرور عند كل إشارة أو لكل سيارة ، وهو كلام صحيح و لكن فيه الكثير من السلبية وهو غير مطلوب لبسط النظام ، و هناك أساليب تعطي الأثر المطلوب في إشعار كل قائد سيارة أنه مراقب في كل مكان وزمان ، وهذه الأساليب أكثر من يعرفها هم إخواننا العسكريون وهم المعنيون بشئون المرور ، وهي الأساليب التي تعتمد على تخفي عين الرقيب ، و هو مبدأ متبع في رقابة السرعة على الطرق السريعة بالرادار ، ومن ذلك إيجاد ما يمكن تسميته مباحث المرور بحيث لا يتمكن المخالف من التعرف على رجل أو سيارة مباحث المرور أو تمييزه عن بقية مستخدمي الطرق و الشوارع ، إلاّ عند ضبط المخالفة حيث يجب في حينها إبراز رجل مباحث المرور هويته للمخالف واتخاذ الإجراءات وتطبيق العقوبة المنصوص عليها في النظام ..
وهناك أمور مهمة في نظري لإنجاح أي عمل للتخفيف من حوادث المرور وفواجعها تتمثل فيما يلي :
1- قطع دابر الواسطة التي أفسدت علينا في كثير من الأحيان أمور حياتنا وأصبحت في غالبها من قبيل الشفاعة السيئة ، نسأل الله العافية .
2- إعادة النظر في العقوبات بحيث تكون منطقية وتتناسب مع حجم المخالفة ، وهو أمر سيساعد كثيراً في التخفيف من الحاجة إلى الواسطة .
3- التدرج في العقوبات عند تكرار المخالفات ، والاستفادة من الحاسب الآلي في ذلك بحيث يتم رصد جميع المخالفات للشخص في سجله المدني بحيث يُرجع إليها عند تطبيق العقوبة ، فمن يكرر مخالفة قطع الإشارة أو السرعة العالية ليس كمن يقع فيها للمرة الأولى .
أعود لعنوان المقالة لأن قارئاً سيقول و ما علاقة الجوازات بحوادث المرور ؟؟ فأقول إن تجربة الإدارة العامة للجوازات بقيادة اللواء أسعد عبد الكريم في الحملة الأخيرة والمستمرة لمكافحة مخالفي نظام الإقامة والعمل ، وهي وإن كانت متأخرة نوعاً ما وطال انتظارها ، إلاّ أنها تجربة جديرة بالتقدير لأسباب عدة منها : أنها حملة مستمرة ، وأنها لم تكتف بالتوعية وإنما ركزت على بسط النظام وتطبيق العقوبات على المخالفين على أرض الواقع ، و غطت أكبر مساحة ممكنة ، وكانت بالكثافة التي جعلت الجميع يشعرون بأنهم غير بعيدين عن الحملات مكانياً وزمانياً ، و أنها ركزت على جزئية التعامل الحضاري عند التفتيش و ضبط المخالفات ..
بقي أن أقول و أتمنى أن تحذو الإدارة العامة للمرور بما في ذلك أمن الطرق حذو الإدارة العامة للجوازات ويكفينا ما فقدناه من أبنائنا وبناتنا وأموالنا بسبب فواجع المرور .. والله المستعان ..
12/6/1419هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 13/6/1419هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12138 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12138 الداخلية و الأمن الرأي 13/6/1419 الندوة رابط المقال على النت http://