هيبة المرور .. متى تعود ؟!
أذكر في بداية قيادتي للسيارة منذ ما يقارب العشرين عاماً ، كانت للمرور هيبة في نفوسنا و كنا نحسب لرجاله وسياراته ألف حساب ، أما الآن ففيما أعتقد ومما هو مُشاهد أنها غير موجودة بنفس القدر في نفوس شباب اليوم .. وقبل أن استرسل في الحديث حول هيبة المرور أود أن أوضح و حتى لا يظن البعض بأنني أطالب بعودة بعض الأساليب غير المقبولة أو بزيادة أعداد و مساحات غرف التوقيف أو رفع القيمة النقدية للمخالفات أو سوء معاملة المخالفين ، بأن استعادة هيبة المرور -من وجهة نظري- تكون من خلال الحزم و الجدية و عدم المجاملة في تطبيق أنظمة المرور ، والقضاء على الواسطة -هذا الداء الذي نخر في أجزاء عدة من جسد المجتمع- ، و التدرج إلى الأعلى في فرض العقوبة عند تكرار المخالفات من ذات الشخص ..
فالملاحظ هذه الأيام أن كثيراً من الشباب و بعض الكهول يرتكبون حماقات -وليست مخالفات فقط- ، في الشوارع و على الطرق السريعة ، ولا يجدون من يحاسبهم أو يردعهم ويمنع أذاهم عن الناس ، فقيادة الأطفال و المراهقين للسيارات و السرعة الجنونية و التجاوز من اليمين و الخروج إلى أكتاف الطرق السريعة ، والوقوف الأناني -إن صح التعبير- و خصوصاً في هذا الشهر الكريم ، و الذي يجب علينا فيه المصابرة و ترويض هذه النفوس الجامحة والممتلئة بالأنانية .. حيث نجد أن كثيراً من السائقين يوقفون سياراتهم أمام المطاعم و على الأخص قبيل المغرب في منتصف الشارع كصف ثالث أو رابع أو كيفما اتفق ، و لا يعنيهم ما يسببونه من أذىً لعموم إخوانهم مستخدمي الطريق ، وكأن الصيام أصبح مبرراً للتعدي و التجاوز لحقوق الآخرين .. وكل هذه المظاهر تدل على عدم احترام نظام المرور و تراجع هيبته في نفوس السائقين ..
إن الدعوة إلى استعادة هيبة المرور ليست لذات الهيبة ، وإنما للحد من آثار غيابها ، فما تخلفه لنا حوادث المرور من أيتام و أرامل و مقعدين و معاقين وما تستنزفه من ثرواتنا ، يعود إلى حدٍ ما إلى تراجع هيبة نظام المرور في نفوسنا ، وإلاّ كيف نفسر استمرار هذه المخالفات وتزايدها ، و مظاهر الاستهتار التي نلحظها في شوراعنا و على طرقاتنا ، بل إن مخالفة بعض رجال المرور أنفسهم و بعض من ينتسبون لبعض القطاعات العسكرية الأخرى أصبحت هي الأخرى مشاهدة بشكل ملحوظ ..
و تراجع هيبة المرور في نفوس المخالفين واستمراءهم للمخالفة يرجع -فيما أتصور- إلى عدة أمور منها :
– تغلغل الواسطة في جهاز المرور -كغيره من الأجهزة- و التي يتمكن المخالف من خلالها من تجاوز العقوبة المقررة و ذلك إما بإزالة المخالفة المسجلة عليه أو تخفيضها إلى حدها الأدنى ..
– غياب القدوة و مشاهدة من هم معنيين بتطبيق أنظمة المرور وهم يخالفونها .. وفاقد الشيء لا يعطيه ..
– عدم وجود نظام عقوبات تصاعدي لتكرار المخالفات ، على الرغم من وجود الحاسب الآلي الذي تُرصد فيه المخالفات ، فقد تم حصر خدمة الحاسب في مجال تحصيل المبالغ النقدية و توريدها لخزينة الدولة فقط ، وكأن هذا هو المقصود من فرض الغرامات وليس منع وقوع المخالفات ..
فلو علم المخالف أن الواسطة ليس لها دور ، و شاهد التزام جميع رجال المرور بأنظمته ، وعلم أن جميع مخالفاته مرصودة عليه -كسابقة- حتى لو قام بسدادها أو طُبقت عليه العقوبة ، و أن تكرار المخالفة يؤدي إلى تصاعد العقوبة ، لما استمر في مخالفاته ولما وصلنا لوضعنا المروري المزري ..
لاشك أن ضعف دور التربية والتعليم والإعلام والوعظ والقدوة في هذا المجال ، ساهم في بروز وتضخم مشكلتنا المرورية التي أرقت المخلصين ، ولا شك أن تفعيل هذه الأدوار وأدائها من قبل الأسر والمدارس والمساجد ورجال المرور و وسائل الإعلام سيكون له الأثر الإيجابي ، ولكن هذا الأثر لن يظهر ويُؤتي ثماره قبل مرور وقت طويل نسبياً ، و لكن التطبيق الحازم و الجاد و المنصف -في ذات الوقت- لأنظمة المرور سيكون له أثره الأسرع ، وسيحد بإذن الله من حجم الخسائر البشرية والاجتماعية والمادية التي نخسرها يومياً بل وعلى مدار الساعة ..
المراقب الخفي !!
و إن كان لي من اقتراح حول ما نحن بصدده فهو ما يمكن أن نسميه بالمراقب الخفي أو مباحث المرور .. ويتلخص الاقتراح في إيجاد وحدة مراقبة و رصد للمخالفات ، ترتبط بشكل مباشر بإدارة المرور و تعمل لتعزيز دور الدوريات الأمنية وأمن الطرق ، ولكن بشرط أن تكون (خفية) ، بمعنى أن رجالها و آلياتها لا يمكن تمييزهم ، و تعمل وفق خطة مدروسة لا تلتزم بمواعيد الدوام الرسمية و لا تركز على الشوارع والتقاطعات الرئيسية ، كل ذلك بهدف جعل المخالف يتوقع وجود أفراد هذه الوحدة في كل وقت و في كل مكان … وهناك تجربة سبقتنا إليها بعض الدول في هذا المضمار و هي إخفاء مواقع رادار رصد مخالفات السرعة و وضعه في نقاط متعددة ومتغيرة ، وهذا الرادار يقوم بتصوير السيارة المتجاوزة للسرعة المحددة وإرسال الصورة إلى نقطة التفتيش التالية ، و قد أدى إخفاء مكان الرادار إلى الحد بشكل كبير من مخالفات السرعة ، و يمكن تطبيق نفس المبدأ وهو إخفاء النقاط و الأفراد المكلفين برصد المخالفات الأخرى مثل قطع الإشارة والوقوف الخطأ .. و الله ولي التوفيق .
10/9/1418هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 12/9/1418هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 11918 صفحة رقم : 7 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
11918 الداخلية و الأمن الرأي 12/9/1418هـ الندوة رابط المقال على النت http://