واقعنا مع حرية الرأي
“و هي تعني إبداء وجهات النظر لما فيه مصلحة الأمة ، أو نقد ما فيه ضرر عليها ، فمن حق المواطن السعودي أن يُبدي رأيه في شئون الحياة العامة ويعرض ذلك على المسئولين حسب ما تقتضيه مصلحة المجتمع ، على أن لا يكون في ذلك اعتداء على أعراض الناس أو اختلاق الشائعات الهادفة إلى إثارة الفتن والقلاقل التي تعكر صفو الأمن الاستقرار” .
الكلام الذي جاء في الفقرة السابقة أنقله للقارئ الكريم بالحرف من كتاب التربية الوطنية للصف الثاني متوسط صفحة 28 ، باعتبار أن حرية الرأي هي إحدى حقوق الفرد وفق الشريعة الإسلامية ، أي أن هذا الكلام يُدرس لأبنائنا ، و قد أحسنت الحكومة ممثلة في وزارة المعارف في ذلك أيما إحسان ..
و لكن ما أن فرغت من قراءة هذه الفقرة في كتاب التربية الوطنية حتى دارت في ذهني عدة أسئلة حول ممارسة هذه الحرية و هذا الحق في واقعنا اليومي و على عدة مستويات ، فأولها هو ما مدى ما تُتيحه المدرسة لأبنائنا وبناتنا من مساحة لممارسة حرية الرأي ؟؟ وكيف نستطيع أن نحول هذا الكلام الذي ندرّسه لأبنائنا إلى واقع معاش ، و تلعب بذلك المدرسة بشخوصها دور القدوة في عملية ممارسة حرية الرأي ؟؟
ثم إذا انتقلنا إلى المنزل والأسرة و هنا يأتي ثاني الأسئلة و هو هل نحن كآباء وأمهات نُتيح مساحات مناسبة لحرية الرأي لأولادنا -ذكوراً وإناثاً بالطبع- ؟؟ أم لازلنا نقمع آراءهم ونصادرها من منطلق حرصنا على مصلحتهم ، و الإفراط في التذرع بحجة أنهم صغار ولا يعرفون مصلحتهم ؟؟
و أما ثالث الأسئلة فهو حول ما يُمارس في مجال العمل الوظيفي من حرية الرأي ؟؟ فالواقع -للأسف- يؤكد أن ممارسة هذا الحق تكاد تكون غير موجودة في مجال العمل ، فالرئيس ينطلق في تصرفاته من منطلق الوصاية على مرءوسيه وليس القيادة لهم نحو الهدف ، و أنه الأكفأ ، و الأجدر أن لا ينتقد أسلوبه أو تصرفاته في العمل أحد مرءوسيه ، ويمارس الرئيس للدفاع عن نفسه ولقمع آراء مرءوسيه وسائل متعددة ، منها التقرير السنوي للأداء ، و الإحالة للتحقيق ، والنقل التأديبي ، وممارسة بعض أساليب التطفيش .. و يؤكد ما ذهبنا إليه في هذا المجال أنك تجد -على سبيل المثال- الناقد الصحفي يظل في الغالب بعيداً عن انتقاد الجهة التي يعمل بها أو له علاقة ما بها تفادياً لما أشرنا إليه وإتباعاً لمقولة (ابعد عن الشر وغني له) و مقولة (من خاف سلم) وهكذا ..
و أما المضمار الأوسع لممارسة هذا الحق ، الذي هو حق للفرد وفقاً للشريعة الإسلامية وحسب ما ندرّسه لأبنائنا ضمن منهج التربية الوطنية ، فهو مضمار الإعلام و على الأخص الصحافة ، و أرى أن تحقيق توجه الحكومة نحو ترسيخ هذا الحق -وأعني حرية الرأي- و تأصيله يتم بالدرجة الأولى من خلال ما تمارسه الصحافة بشكل خاص و الإعلام بشكل عام وأما البيت والمدرسة والعمل فيأتي دورهم بعد ذلك ..
و باختصار فإن توسيع المساحة المتاحة لممارسة حرية الرأي ، فيه خير كثير لأمتنا وبلادنا بل وحكومتنا ، لأن حرية الرأي هي البيئة المناسبة لإيجاد فكر واع و خلاق ، قادر على مواجهة التحديات و النهوض بالأمة ، و هو أكثر ما نحتاج إليه في عصرنا الحاضر ..
و الله من وراء القصد .
27/8/1419هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 1/9/1419هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 10204 صفحة رقم : 7 (الرأي) .
التعديل : حذف ما تحته خط .
10204 صحافة و إعلام الرأي 1/9/1419 الندوة رابط المقال على النت http://