هيئة تطوير مدينة مكة المكرمة

by Admin

هيئة تطوير مدينة مكة المكرمة

حظيت المدينتين المقدستين مكة المكرمة و المدينة المنورة باهتمام وعناية خادم الحرمين الشريفين ، و رعايته وفقه الله لمشاريع التطوير بهما وعلى رأس هذه المشاريع مشروعا توسعة الحرمين الشريفين ، وتطوير المناطق والساحات المحيطة بهما .

والتطور عموماً -كما هو معروف- يُعد من السنن الكونية و من طبائع الأمور ، و لكن الحاجة للتطوير تتضاعف في بعض الحالات وتُصبح أكثر إلحاحاً ، و ينبغي أن يكون التطوير بخطوات أكثر سرعة ، و هو ما ينطبق على المدينتين المقدستين والمشاعر المقدسة بسبب ارتباطهم بتوافد الحجاج و المعتمرين وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين يتزايدون عاماً بعد عام ، لذلك فالحاجة إلى التطوير المستمر تظل قائمة و ملحَّة.

المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- شهدت بدء تطوير المنطقة المركزية التي أعيد تخطيطها وتنظيمها بطريقة علمية حديثة تفي بمتطلبات التطوير المطلوب لعقود قادمة بإذن الله لاستيعاب الأعداد المتزايدة من زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

و أما في مكة المكرمة فالأمر مختلف لعدة اعتبارات منها واقعها الجغرافي و كوْنها تستقبل أعداد أكبر مما تستقبله المدينة المنورة ، و بها المشاعر المقدسة ، وتتركز فيها أعداد كبيرة من المسلمين خلال أيام الحج .. لذلك فإن مكة المكرمة -زادها الله تعظيماً و تشريفاً- يتجاوز التطوير المطلوب فيها المنطقة المركزية للمدينة و هي منطقة المسجد الحرام إلى الأحياء المحيطة و إلى المشاعر المقدسة للإرتباط القوي بينها جميعاً ، فتركيز النظر على تطوير المنطقة المركزية دون الأخذ في الاعتبار ارتباطها بالمشاعر المقدسة أو الأحياء القريبة منها قد يُحدث قصوراً يؤثر سلباً على النتائج المرجوة من تطوير المنطقة المركزية و قد يجعلها محدودة الفائدة ..

و في مكة هناك حاجة ماسة و عاجلة لوجود جهة تتولى دراسة الواقع الحالي لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة ، بطرق علمية حديثة ، ودراسة احتياجات المدينة وسكانها و زوارها ، ومن ثم تقوم بوضع تصور شامل لمستقبل مدينة مكة و المشاعر المقدسة على المدى البعيد ، بحيث يكون هناك مخطط استراتيجي يأخذ في الاعتبار النمو الطبيعي للمدينة مع الزيادة المطردة في أعداد حجاجها وزوارها ، ويُقسّم هذا المخطط المستقبلي إلى عدة مراحل تمتد إلى عشرات السنين ، بحيث يتم تطوير جميع الخدمات المقدمة لسكان وزوار المدينة على مراحل دون الحاجة إلى إعادة التخطيط أو إلى الهدم وإعادة البناء من جديد للبنى التحتية والخدمات الأساسية .

 و يحضرني هنا ما قامت به الهيئة العليا لتطوير مدبنة الرياض من وضع مخطط استراتيجي لمدينة الرياض ، اشتمل على تصور لوضع المدينة بعد خمسين عاماً ، مع دراسة شاملة للمشاكل التي قد تواكب أو تعترض نمو المدينة عبر هذه الفترة ، وتتجاوز الدراسة احتياجات المدينة من الماء والكهرباء و الاتصالات والصحة والتعليم …  ، إلى نواحي التطور الحضاري و الثقافي لسكان المدينة ، هذا بالاضافة إلى قيام الهيئة بتقسيم مخططها الاستراتيجي إلى مراحل ، فهناك خطة لمدة خمسة وعشرين عاماً ، وخطة تنفيذية مدتها عشر سنوات .

وفي تصوري أن وجود هيئة أو جهة تختص بهذه المهمة في مدينة مكة المكرمة هو أمر في غاية الأهمية لتحقيق انطلاقة جديدة في تطوير هذا البلد الأمين ،  ولعل ما يؤيد هذا الكلام مطالبة مجلس منطقة مكة المكرمة بتأسيس هيئة لتطوير مدينة مكة المكرمة ، والتي كانت بمثابة مسك الختام للدورة الأولى لمجلس منطقة مكة المكرمة ، حيث أُعلن عن هذا المطلب في الجلسة الأخيرة لمجلس المنطقة في دورته الأولى ، التي رأسها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ، الذي وعد وفقه الله برفع المطلب بعد دراسته إلى مجلس الوزراء الموقر لاتخاذ ما يراه ..

إن جولة في المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام في هذه الأيام ، و علي الأخص في أزقة الأحياء القديمة و في  الشعاب و الجبال المحيطة بالمسجد الحرام من جميع جهاته ، ومشاهدة الكتل البشرية التي تتحرك فيها ، سوف تعطي صورة واضحة لواقع هذه المدينة المقدسة و طبيعة مواسمها ، وكذلك تعطي تصور لمدى الحاجة لوضع المخطط الاستراتيجي الذي أشرنا إليه ..

وتُعد تجربة شركة مكة للانشاء والتعمير في مشروعها الأول الذي يقف شاهداً على اهتمام قيادة هذا البلاد بتطوير المدينتين المقدستين ، وكذلك تصوراتها لتطوير منطقة جبل عمر ، النموذج لما يمكن أن يتم في مجال التطوير الذي يتصف بالشمولية لمعظم احتياجات الوافدين على هذه المدينة المقدسة ، وتوفير أقصى درجات الراحة والأمان لهم ، وكذلك توضح هذه التجربة ما يمكن أن يضطلع به القطاع الخاص في هذا المجال عندما يُعطى الفرصة بتعاون الجهات الحكومية ذات العلاقة ..

ولعل هيئة تطوير مدبنة مكة المكرمة المقترحة هي معقد الأمل بعد الله في تحقيق ما ينشده قادة هذه البلاد لهذه المدينة المقدسة مهوى القلوب و قلب العالم الإسلامي النابض .. والله ولي التوفيق وهو من وراء القصد ..

29/11/1418هـ                                                                    فائز صالح محمد جمال

 

بيانات النشر

نُشر : يوم : السبت الموافق : 30/11/1418هـ

في صحيفة : الندوة           رقم العدد : 11976         صفحة رقم : 5 (الرأي) .

التعديل : لا يوجد .

 

11976 مكة المكرمة الرأي 30/11/1418هـ الندوة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق