نعم لك الله أيها المريض المواطن
كتب الأستاذ حمّاد بن حامد السالمي مقالاً تحت عنوان (لك الله أيها المريض المواطن) في صحيفة الجزيرة بتاريخ 30/10/1420هـ معلقاً على التعميم البدعة –كما أسماه- الذي أصدرته مستشفى الملك فهد بجدة بشأن تصنيف مراجعيها إلى درجات ذهبية و فضية و أخرى بلا لون أو مسكوت عنها ، وقد نقل الأستاذ حمّاد تفاصيل التعميم الذي نشرته صحيفة المدينة بتاريخ 23/10/1420هـ الذي جاء فيه أن مستشفى الملك فهد بجدة التابع لوزارة الصحة قد أصدر بطاقات ذهبية و فضية تصرف لأصحاب المعالي و الفضيلة و كبار المسئولين في الدولة ، يتم بموجبها تقديم خدمات متميزة جداً لحامليها داخل المستشفى وخارجها .
وقد وفىّ الأستاذ السالمي الموضوع حقه فجزاه الله خيراً ، و أنا استسمحه في نقل بعض الفقرات من مقاله لتعميم الفائدة ، فقد استعرض المقال المزايا والخدمات التي ستقدم لحاملي البطاقات الذهبية والفضية والتي تشتمل على جميع الخدمات العلاجية لحاملي البطاقات ومرافقيهم وإجراء الفحوصات الفورية في غرف الـ (VIP) في المستشفى بدون انتظار ، أو حتى في منازلهم ، وبعد هذا الاستعراض يقول الأستاذ السالمي :”و أخيراً لم يبق أمامنا بعد وصول الخدمات الطبية في المستشفيات إلى القمة سوى تقديم خدمات (مميزة خاصة جداً لأصحاب المعالي والفضيلة والسعادة من كبار المسئولين) وإذا لزم الأمر –حسب التعميم البدعة- فإن الخدمة الطبية تذهب إلى أصحاب البطاقات الذهبية والفضية في بيوتهم ، وهذا ترف خدمي صحي من مؤسسة صحية عامة لم نسمع به في كل الدنيا” إلى أن يقول : “وكأن المسئولين في حاجة إلى هذه الخدمات التي تصنف المرض بين المرضى ، وتكرس الفرز في المجتمع ، فهذا كبير وهذا صغير ، و هذا مسئول و هذا غير مسئول .. وهذا و ذاك .. والأخير مواطن لا نعرف لون بطاقته مع بطاقات (التمييز) هذه ولا درجته مع الدرجات ، ولا حتى مرضه هل يؤهله إلى الذهبية أم الفضية ؟! أم إلى بطاقة رمادية اللون” .
ثم أشار الأستاذ السالمي إلى شجاعة القائمين على مستشفى الملك فهد في الإعلان عن هذا التصنيف و التميز و الفرز لأفراد المجتمع ، من جهة أن هذا الوضع بالفعل قائم ومعمول به في الظل في المستشفيات الحكومية. ، و هذه الشجاعة ذكّرتني بشجاعة معالي أمين مدينة جدة في إعلانه في اللقاء الشهير الذي نُشر في عكاظ عن تطبيق منح الأراضي له ولأفراد أسرته في زمن قياسي ، فكلا الموقفين يعبران عن شجاعة لم نتعود عليها في الإعلان عن أوضاع مريرة يعيشها المواطن في تعامله مع بعض الجهات ، وكأنها أوضاع طبيعية لا غبار عليها ..
إن مما يلفت النظر هنا أيضاً أن مثل هذه التصرفات يُعد من قبيل الجمع بين أكثر من عسر على ذوي الإعسار ، ليزداد المريض مرضاً و البائس بؤساً والفقير فقراً ، و الجمع بين أكثر من يسر لذوي اليسار ، فيزداد الصحيح صحة و يزداد الغني غنىً و السعيد سعادة ، و إن لم يكن لدينا اعتراض على جانب اليسر وجمعه لأي إنسان ، بل نتمناه للجميع ، فإننا و مما تعلمناه من ديننا الحنيف نرفض جانب الجمع بين أكثر من عسر على أي إنسان ، و يوجب علينا مساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة والتخفيف عن كل مكروب و مريض مع إعطاء الأولوية للأكثر حاجة للمساعدة وليس العكس .
إن الشرع الحنيف يؤكد على المساواة والعدالة بين الرعية و يمقت التمييز ، وهذا مما ينشر السعادة و الهناء بين أفراد المجتمع ، و يقضي على دواعي الحقد و الضغينة و الكراهية ، فلا شك أن التمييز بين أفراد المجتمع في المعاملة مع جهات حكومية مدعاة لبث الحقد و الكراهية والضغينة في نفوس من كان التمييز لغير صالحهم ، ومثال ذلك التمييز في المعاملة بين الأولاد ، فهو ظلم منهي عنه شرعاً ، و هو مدعاة لبث الفرقة و الكره بينهم ، والشواهد على ذلك كثيرة و معاشة ..
و لعل الخطورة تبرز أكثر عند المجاهرة بمثل هذا التمييز و التفريق بين المواطنين ، فمعالي أمين مدينة جدة يعلن عن حصول على منح له و لأفراد أسرته في كل من مكة و جدة وفي مواقع متميزة وفي وقت قياسي ، في الوقت الذي يظل المواطن لسنوات عديدة وتحفى أقدامه و هو يراجع حتى يتمكن من تطبيق منحته ، و هنا إدارة مستشفى الملك فهد بجدة تعلن عن هذه الخدمات المتميزة لمن هم ليسوا في حاجة لخدماتها أصلاً بقدر حاجة غيرهم ، في الوقت الذي يظل المواطنون على قوائم الانتظار لشهور عديدة إن لم تمتد لأكثر من سنة لإجراء كشف أو عملية ..
إن مما ينبغي التنبه إليه هو أن مثل هذه التصرفات و هذه البدع –غير الحسنة بالطبع – قد تقود جهات أخرى إلى اتباعها إذا تم السكوت عنها ..
و أختم بقول الله عز وجل في سورة الأحزاب : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(71)
12/11/1420هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02E-mail: fayezjamal@yahoo.com
بيانات النشر
نُشر : يوم : الأحد الموافق 14/11/1420هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12560 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12560 حكومية الرأي 14/11/1420 الندوة رابط المقال على النت http://