منهجية السعودة و وجهة النظر الغائبة ـ 5

by د.فائز جمال
منهجية السعودة و وجهة النظر الغائبة (5)
المعادلة الصعبة في السعودة

في الواقع هناك معادلة بالفعل صعبة في قضية السعودة في القطاع الخاص ، لابد من التعرف على أطرافها و على عناصر كل طرف بشكل دقيق لكي نتمكن حلها بأفضل و أسرع الطرق ..

و طرفا المعادلة هما صاحب العمل من جهة و طالب العمل من الجهة الأخرى ..

و لكل من طرفي المعادلة وجهة نظره الموضوعية التي يدافع بها عن موقعه ، و يطالب من خلالها باستحقاقاته.

و الوصول إلى حل لهذه المعادلة الصعبة و تحقيق التقارب و التطابق بين أطرافها مرتهن فيما أتصور بمدى قدرتنا على التعرف على كل طرف معرفة حقيقية ، تقودنا إلى تفهم وجهات النظر المختلفة و المتباينة ، و بالتالي تمكنا من وضع الحل الصحيح الناجع ..

فلو استعرضنا وجهتي النظر سنجد أن وجهة نظر صاحب العمل في القطاع الخاص تتلخص في أنه يعمل في ظل سوق مفتوحة ، و منافسة شرسة ، و ضمن محددات تحكم العمل في القطاع الخاص و تحدد طبيعة عمله ، و على رأسها مسألة الربحية ..

فلا استمرار لأي مؤسسة في القطاع الخاص بلا ربحية ، و هذه الربحية تتأثر كثيراً  بعاملين أساسين ، الأول : التكاليف ، و الثاني : سعر بيع السلعة أو الخدمة التي تنتجها المؤسسة .

فأما التكاليف فهي الأخرى تتأثر بعدة عوامل منها أجور العاملين و كفاءتهم و خبرتهم و إنتاجيتهم ، و أما السعر فيتأثر بالإضافة إلى التكلفة بالمنافسة و قاعدة العرض و الطلب المشهورة .. بعبارة أبسط فإن الربحية أو أرباح أي مؤسسة في القطاع الخاص تتأثر بالتكلفة من جهة و بسعر البيع من جهة أخرى ..

فلو نظرنا إلى مطالبة صاحب العمل برفع أجور العاملين السعوديين عن أجور نظرائهم من الوافدين لتتناسب مع ظروفهم كمواطنين ، سنجد أن ذلك سبب مباشر في رفع التكاليف ، و إذا أضفنا إلى ذلك مطالبته بقبول مستوى أدنى من التأهيل مع خبرة محدودة أو معدومة في كثير من الأحيان ، فسيكون ذلك سبب في مضاعفة التكاليف ، و هذا في ظل أسواق مفتوحة على العالم و منافسة شرسة يعني خسارة محققة .

و إن قال قائل أن علينا أن نعوض هذه التكاليف الزائدة من خلال رفع سعر البيع لتجنب الخسارة ، باعتبار أن سعر البيع العامل الآخر المؤثر في الربحية ، فسوف يأتينا الجواب من السوق و المنافسة الذين لا تحكمهما العاطفة ، بركود البضاعة و بقاءها مكدسة في مخازنها ..

ومادام أن هذه هي مقومات العمل في القطاع الخاص و محدداته فيمكننا تفهم وجهة صاحب العمل عندما يُطالب بالأيدي العاملة الأقل كلفة و بالكفاءة و الخبرة و الإنتاجية و الاستقرار .. لأن المسألة بالنسبة له حياة أو موت (ربح وخسارة) . و آثار حياته الإيجابية ، أو موته السلبية ، ستنعكس حتماً في العموم على ما نحن بصدده و هي الفرص الوظيفية المتاحة ، و على المجتمع و الاقتصاد جميعاً .

و إذا انتقلنا إلى الجانب الآخر من المعادلة و هو طالب العمل السعودي سنجد أن وجهة نظره تتلخص في مطالبته براتب أعلى من أخيه الوافد ، و عدم مطالبة القطاع الخاص له بالخبرة ، وأن يحظى بما يحظى به زميله الذي كُتب له العمل في وظيفة حكومية ..

فبالنسبة لمطالبته براتب أعلى فيمكننا تفهم ذلك في ظل ما نعيشه من ارتفاع لتكاليف المعيشة و ما تمليه ظروفنا الاجتماعية من واجبات و التزامات ، تُشكل عبئاً قد لا يقع على الوافد مثله إلاّ أثناء إقامته في بلده ..

و نتفهم كذلك إصراره على عدم مطالبته بالخبرة في هذه المرحلة ، إذ من سيتيح له الخبرة في البداية إذا كانت جميع المؤسسات ستطالب بالخبرة .. و يمكننا كذلك تفهم تطلعه لمزايا العمل في وظيفة حكومية ، فهناك الرواتب قد تكون أفضل ، و ساعات العمل أقل وعلى فترة واحدة ، و إجازة أسبوعية أطول ، و الأهم من ذلك أن الوظيفة أبدية ومحصنة ضد الفصل .

إذن هناك وجهات نظر لكل طرف يستطيع من وضع نفسه في موضع صاحبها أن يتفهما بل وقد ينبري للدفاع عنها باعتبارها وجهة نظر موضوعية ومقبولة ، و في ضوء ذلك نجد أننا أمام تعارض واضح ، وتضاد ما بين مصالح الطرفين ، و هو ما يجعلنا في حاجة إلى المزيد من الجهد و الدرس لإحداث موازنة دقيقة بينهما ، لكي نتمكن من حل هذه المعادلة الصعبة و المعقدة في آن ..

فمطلوب منا المحافظة على ديناميكية القطاع الخاص ليظل خلاقاً للفرص الوظيفية و محتضناً كبيراً للشباب السعودي ، من خلال دعمه و تشجيعه و إزالة أية معوقات عن طريق نموه وانطلاقه ، وهي كثيرة ليس هنا مجال الحديث عنها .. و في نفس الوقت مطلوب منا أن نحقق للشباب السعودي تطلعاته إلى عيش كريم من خلال دعم حكومي حقيقي لمسألة الأجور و التدريب و لتصحيح مسار التعليم العام لتتواكب مخرجاته مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل .. ولا زال للحديث بقية نختم بها هذه السلسلة في الأسبوع القادم بإذن الله .. وإلى اللقاء ..

25/6/1421هـ        فائز صالح محمد جمال    فاكس 5422611-02 Email: fayezjamal@yahoo.com

 

بيانات النشر

نُشر يوم : الاثنين الموافق 27/6/1421هـ

في صحيفة : المدينة المنورة    رقم العدد : 13669     صفحة رقم : 8 (آراء) .

التعديل : لا يوجد  .


 

 

 

13669 عمل و توظيف آراء 27/6/1421 المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق