منهجية السعودة و وجهة النظر الغائبة ـ 4

by د.فائز جمال
منهجية السعودة و وجهة النظر الغائبة (4)
لا لفرض السعودة .. رؤية جديرة بالاهتمام

سبق لي أن كتبت مقالاً بهذه الصحيفة نُشر في 27/8/1417هـ تحت عنوان (لا .. لفرض السعودة) ، و قد أشرت فيه إلى أنني أكتبه مدفوعاً بإيماني العميق بمبدأ سعودة الوظائف في القطاع الخاص كخيار استراتيجي لا مناص منه ، و أن السعودة واجب نؤديه تجاه أجيالنا الحالية والقادمة من أبنائنا وبناتنا ، لكي نهيء لهم حياة كريمة وسعيدة في المستقبل ، وكذلك مدفوع بحبي لوطني وحرصي على قطاع هام وحيوي أتمنى أن تتاح له الفرصة لكي يساهم بشكل فعّال في رفاهية ورخاء واستقرار هذا الوطن العزيز ..

و أكدت أنه لا خلاف من حيث المبدأ على أهمية السعودة وضرورتها في المرحلة الحالية والمراحل المقبلة التنموية ، وذلك سواء لدى  المسؤولين في الحكومة أو رجال القطاع الخاص ، و إنما الخلاف القائم بين المهتمين بهذه القضية الوطنية ينصب حول طريقة التطبيق ، والأنظمة والإجراءات المتخذة لتحقيق السعودة ..

وكنت قد نبهت في ذلك المقال إلى أن بعض الإجراءات والأنظمة المقترحة ، كفرض السعودة على القطاع الخاص أو تحديد الأجور وغيرها ، ستكون سبباً في إحجام رأس المال المحلي عن التوسع في الاستثمار في الداخل ، واحتمال تحويل أجزاء من الاستثمار إلى الخارج حيث هناك من يعمل من الدول المجاورة وغير المجاورة على توفير تربة خصبة ومنح تسهيلات كبيرة للاستثمار لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ، و أن في ذلك إضرار بالغ بالمصلحة الوطنية ، حيث سيُحرم الوطن والمواطن من فرص وظيفية كانت ستُخلق لو تم الاستثمار في الداخل ، هذا إن لم نعرض بعض الفرص الوظيفية المتاحة للشباب السعودي للضياع .

ومن خلال تواجدي في القطاع الخاص أستطيع أن أقول بأن جميع ما نبهنا إليه و خشينا من وقوعه قد حدث بشكل أو بآخر ، فهناك إحجام وتردد لدى القطاع الخاص عن التوسع في الاستثمار في الداخل ، و هناك انكماش لبعض المؤسسات ، و هناك هجرة لرؤوس أموال وطنية إلى أسواق مجاورة و غير مجاورة ، و في ذات الوقت لم نسمع عن رؤوس أموال وطنية عائدة ، و لا عن رؤوس أموال أجنبية قادمة اللهم ما هو في مجال الصناعات البترولية ، و كل هذا يعني انحسار الفرص الوظيفية المتاحة للمواطنين أو على الأقل عدم نموها بالشكل المطلوب ..

تجربة سابقة لفرض السعودة لم تنجح

و هناك تجربة سابقة و قديمة لفرض السعودة حدثت قبل ما يقارب الأربعين عاماً ، و لم يُكتب لها النجاح ، و تؤكد أن فرض السعودة ليس هو الحل الناجع و إن بدى للبعض أنه كذلك ، و (عادت حليمة لعادتها القديمة) كما قيل في الأمثال .. و يؤكد ذلك مقال وقعت عيني عليه نُشر للوالد يرحمه الله في صحيفة عكاظ بالعدد رقم 45 بتاريخ 3/8/1384هـ ، أي منذ سبعة و ثلاثين عاماً ، يتناول أوضاع السعودة والعمالة الوافدة وكأنه يكتب عما نعيشه هذه الأيام ، و من يقرأ المقال يتأكد له أمران ، الأول : أننا لم نستفد من تجاربنا السابقة ، و لازلنا نكرر نفس الأساليب التي لم تنجح في تحقيق ما نهدف إليه . و الثاني : أننا لازلنا نعاني من نفس المشاكل ، و لم نعمل بما يكفي للقضاء عليها و اجتثاثها من جذورها طوال العقود الماضية .

و فيما يلي مقتطفات مما جاء في المقال أضعها تحت أنظار المهتمين بأمر السعودة ، حيث يقول رحمه الله :

“مازال جميع الذين يحاولون معالجة قضية العامل السعودي يعمدون إلى معالجتها بأساليب سطحية دون أن يكلّفوا أنفسهم التعمق إلى جذور القضية ، ليكون العلاج على أساس واقعي وبعيد عن العواطف .. فاستعداء مكاتب العمل ودوائر الجوازات ، والمطالبة بتدخل الدولة لفرض العامل السعودي على المواطن السعودي ، كلها علاجات سطحية لا يمكن أن تصل إلى غور المشكلة فتستأصلها من الجذور” . ويقول : “والذين يتحدثون عن هذه المشكلة واحد من اثنين ،إما عاطفي ينظر إلى المسألة من زاوية وجوب العطف على العامل السعودي وتشغيله بحكم أولويته عن غير السعودي دون أي اعتبار لمصلحة الطرف الثاني في المشكلة وهو صاحب العمل ، أو مصلحة الإنتاج وتكاليفه والتي تعتبر مصلحة عامة ، وإما بعيد عن محيط العمل والعمّال والإنتاج ويرى أن من الوطنية تقديم العامل السعودي على غيره مهما كان الثمن ، ومهما كانت الملابسات” ثم يقول : “والذي يسترعي الانتباه أن واحد من هؤلاء الذين أقرأ لهم ، لم يحاول أن يبحث ويدرس الأسباب التي تدعو أصحاب الأعمال لتفضيل العامل الأجنبي على العامل السعودي ، ثم يدعو لمعالجتها وإزالتها بدلاً من الاستعداء والإثارة !! حتى مكاتب العمل لم تحاول القيام بدراسة وافية عن هذه الأسباب ، وترسم الخطة المضمونة لإزالتها بدلاً من هذا الذي تفعله الآن من فرض العامل السعودي فرضاً بصورة سوف ينتج عنها حتماً استمرار العامل السعودي في الاعتماد على سعوديته كمؤهل كاف لتقديمه عن سواه دون أي تفكير في محاولة لتطوير كفاءته أو تنمية معلوماته” .

هذا بعض ما جاء في المقالة المشار إليها .. و للحديث صلة بإذن الله ..

17/6/1421هـ        فائز صالح محمد جمال    فاكس 5422611-02 Email: fayezjamal@yahoo.com

 

بيانات النشر

نُشر يوم : الاثنين الموافق 20/6/1421هـ

في صحيفة : المدينة المنورة    رقم العدد : 13662     صفحة رقم : 8 (آراء) .

التعديل : لا يوجد  .

 

 

13662 عمل و توظيف آراء 20/6/1421 المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق