منهجية السعودة و وجهة النظر الغائبة
كثيراً ما تطالعنا الصحافة بمقالات لكتاب أفاضل يكتبون منطلقين من حماسة وطنية و صدق انتماء و عاطفة إيجابية تجاه شباب هذا الوطن الباحث عن عمل ، ولكن الملاحظ أنه كثيراً ما تجنح هذه الأقلام إلى الهجوم على القطاع الخاص و على رجال الأعمال ، و اتهامهم بعدم الجدية في توظيف الشباب السعودي و بأنهم يفضلون عليهم الأخوة الوافدين ، و يصل الأمر إلى الطعن في انتمائهم و وطنيتهم ، و استعداء الجهات المعنية في الحكومة عليهم ، و المطالبة بإصدار قرارات ملزمة و فرض تعيين السعوديين بالقوة الجبرية ..
و هذه الأقلام كما سبق و أن أشرت تكتب من خلال حماس وانتماء و عاطفة ، ولكنها للأسف غير مطلعة على شئون القطاع الخاص ، وغير مدركة لطبيعة عمله ، و مقومات نجاحه و عوامل فشله ، و أنه قطاع يعيش على مبدأ الربحية ، و لن يستطيع الاستمرار بدون تحقيق الأرباح ..
و أجزم بأنه لو كان أي من هؤلاء الكتّاب من أصحاب القطاع الخاص أو تعرف على طبيعة العمل في القطاع الخاص ، و ما يعانيه جراء تطبيق قرارات السعودة لكان لهم رأي آخر ..
إن المتأمل لما تم من قرارات و إجراءات في مجال السعودة يجد أنها توجهت بشكل أو بآخر لتحميل القطاع الخاص مسئولية معالجة واقع لم يكن القطاع الخاص سبباً فيه ، و لو نظرنا إلى الحلول المقترحة لمعالجة مشكلة البطالة و تحقيق نسب أعلى في السعودة نجد أنها تتنوع و تتوزع على عدة محاور :
المحور الأول : مخرجات التعليم العام . المحور الثاني : تدريب الشباب و تأهيلهم للعمل في القطاع الخاص . المحور الثالث : حفز القطاع الخاص على توظيف السعوديين . المحور الرابع : التوعية لطرفي المعادلة صاحب العمل و طالب العمل ، بأهمية السعودة و انعكاساتها الإيجابية على الجميع . المحور الخامس : وضع أنظمة – موضوعية وعملية- تساهم في الإحلال التدريجي للأيدي العاملة السعودية محل الوافدة .
و لكن عند النظر للواقع العملي نجد أن تفعيل هذه المحاور لم يكن بالقدر المطلوب و لا المتوازن . فلو نظرنا إلى محور مخرجات التعليم العام وهو من أهم المحاور وأكثرها حاجة إلى التفعيل المبكر نجد أنه لم يطرأ عليه شيء يُذكر ، فالجامعات و الثانويات العامة وهما يمثلان السواد الأعظم لمخرجات التعليم ، لا زالتا تقذف بعشرات الآلاف سنوياً من تخصصات لا يحتاجها سوق العمل الذي أصبح يتركز في القطاع الخاص .
وإذا أتينا إلى محور التدريب وهو في واقعنا ألزم لأننا لا نحتاجه فقط لتطوير المهارات ، وإنما لإعادة تأهيل خريجي الجامعات و الثانويات و إعدادهم للعمل في القطاع الخاص ، و كما هو معلوم أن التدريب مكلف جداً و معظم مؤسسات القطاع الخاص –وهي المؤسسات الصغيرة- غير قادرة على تحمل تكاليفه ، و قد تكرر الاقتراح بتكوين صندوق للتدريب –الذي صدر قرار تأسيسه مؤخراً- يتم تمويله من رسوم التأشيرات و الإقامات و رخص العمل وأي رسوم متعلقة بالعمالة الوافدة ، ولازلنا في انتظار التطبيق .
و في مجال حفز القطاع الخاص على التوسع في السعودة اقتصر الأمر على الجوائز السنوية التي لا نقلل من شأنها ، و إنما نود أن نلفت الانتباه إلى أن تحقيق نسب عالية في السعودة هي أمر نسبي ، و قد يكون تحقيق نسبة 70% في قطاع ما كالبنوك نسبة منخفضة ، بينما تحقيق نسبة 10 أو 15% في مجال الصناعة أو المستشفيات أو خدمات النظافة هي نسبة مرتفعة ، وينطبق ذلك على المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ، و لابد من أخذ ذلك في الاعتبار حتى تؤتي الجوائز أكلها .
و أما في مجال التوعية لطرفي المعادلة صاحب العمل و طالبه ، نجد أن الإعلام يقف غالباً في صف أحد طرفي المعادلة و يدافع عن وجهة نظره وهو طالب العمل ، و في نفس الوقت نجد تغييباً لوجهة نظر الطرف الآخر و هو صاحب العمل ، والهجوم عليه و التشكيك في وطنيته وجديته في تحقيق أهداف السعودة ، في حين أن طالب العمل في حاجة للتوعية والتوجيه و الحث على التعلم والتدريب و اكتساب المهارة ، والقدرة على المنافسة في سوق العمل ، و إثبات الوجود ، وكذلك الالتزام و الإنتاجية ..
وفي مجال وضع الأنظمة و القرارات التي تؤدي إلى تحقيق إحلال تدريجي للعمالة الوطنية محل الوافدة ، نجد أن القرارات ركزت على القطاع الخاص وحملته المسئولية كاملة وهو غير قادر على تحملها ، و تسببت في إرباكه و تململه ، فدفعت البعض إلى تقليص نشاطه وفروعه ، و دفعت البعض الآخر إلى البحث عن فرص خارج الوطن.
لذلك نرى أنه لابد من إعادة النظر في المنهج المتبع في تحقيق السعودة بما يمكّن من تحقيق أهدافها و لا يتسبب في الارتداد عليها سلباً ، و إعادة النظر في بعض القرارات و إعادة صياغتها بحيث لا يكون الاتجاه نحو فرض السعودي بهويته ومن خلال قرارات حكومية ، و إنما من خلال التأهيل بمفهومه الشامل ، وأعني بذلك التأهيل العلمي و الفني و الإعداد النفسي للعمل في القطاع الخاص و وفقاً لطبيعته و ليس وفقاً لطبيعة العمل الحكومي ..
هذه مقدمة لحديث يطول حول السعودة و شجونها ، نعود إليه في الأسابيع القادمة بإذن الله ..
25/5/1421هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02 Email: fayezjamal@yahoo.com
بيانات النشر
نُشر يوم : الاثنين الموافق 28/5/1421هـ
في صحيفة : المدينة المنورة رقم العدد : 13641 صفحة رقم : 8 (آراء) .
التعديل : لا يوجد .
13641 عمل و توظيف آراء 28/5/1421 المدينة رابط المقال على النت http://