مفهوم عمل المرأة

by د.فائز جمال

مفهوم عمل المرأة !!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول عمل المرأة ، ووجوب إتاحة فرص وظيفية للمرأة عندنا في مجالات جديدة غير التعليم والطب والتمريض وما إلى ذلك ، وتعرّض بعض الكتاب الأفاضل إلى هذا الموضوع من عدة زوايا ، فنظر أحدهم إلى زاوية أن المرأة نصف المجتمع وعدم عملها في وظيفة ما خارج بيتها  هو تعطيل لجزء كبير  من طاقة المجتمع

، والآخر ركز على أن عدم عمل المرأة يُعد إهداراً للملايين التي أنفقتها الدولة على تعليم المرأة ، وثالث نظر لأخطار الفراغ الناتج عن عدم عمل المرأة بعد انهاءها لدراستها الجامعية … إلى آخره .

وفي الواقع ألح عليّ سؤال وتردد كلما طُرح موضوع عمل المرأة للنقاش والحوار وهو : هل المرأة – الزوجة والأم – والتي ترعى شئون بيتها وزوجها ، مهتمة بتربية أبنائها  تُعتبر عاطلة عن العمل ؟؟ وتدخل ضمن ما يُدعى النصف المعطل من المجتمع ؟!

فمن الملاحظ أن سياق معظم الحوارات والنقاشات التي تدور حول عمل المرأة يُعطي الانطباع بأن المرأة التي لا تعمل في وظيفة خارج بيتها ، هي امرأة غير منتجة وخاملة ومُضَـيِّعة لسنوات تعليمها ، ولاتكاد تؤدي ما تؤديه شقيقتها العاملة في خدمة مجتمعها ورد الجميل لوطنها !! مما أدى إلى أن تصبح نظرة البعض للمرأة التي تتفرغ بعد حصولها على الشهادة الجامعية لرعاية أبنائها وزوجها وبيتها نظرة يكتنفها الكثير من الدهشة والاستنكار ، والاشفاق أحياناً ، وهناك من يذهب إلى التقليل من شأن الدور الهام الذي تقوم به وهو تربية النشء مما يتسبب في إحراجهن وتسرُّب الشك إلى نفوسهن ، ويظللن يتساءلن هل هن على صواب أم على خطأ ؟!

ومن الملاحظ أيضاً أن هناك تغييباً واضحاً لدور الزوجة والأم  التي تتفرغ لبيتها ، وتقوم على رعاية زوجها وأولادها بنفسها ، وتهميشاً للآثار والانعكاسات الإيجابية لقيام المرأة بهذا الدور على أكمل وجه ، بل وأشعر أن هناك تغاضياً عن سلبيات خروج المرأة من بيتها للعمل ، واعتمادها على الخادمات والمربيات في إدارة شئون بيتها وزوجها وأولادها ، وأركز هنا على دورها تجاه أولادها وتربيتهم التربية الصالحة ، فسلبيات سوء رعاية وتربية الأولاد – أي البنين والبنات بالطبع – تكاد تكون الأخطر لأن الأولاد هم الأمل وعدة المستقبل بعد الله عز وجل ، ولعل ما نلمسه من اعوجاج في سلوكيات بعض المراهقين من الأبناء والبنات ، وأصبحت لا تخلو صحفنا من الكتابة حوله  المطالبة بوقفة حازمة لمعالجته وتصحيحه ، يُعد من آثار تخلي المرأة عن دورها الأساسي في تربية النشء واعتمادها في ذلك على الخادمات والمربيات .

إن ما ذكره الدكتور عبدالقادر طاش في مقاله بعنوان (النساء قادمات) حول أعداد المتعلمات ونموها الكبير خلال السنوات القادمة ، ودعوته للتفكير في حلول لمواجهة مشكلة عدم توفر فرص وظيفية لهذه الأعداد الهائلة المتوقع تخرجها سنوياً من بناتنا ، يقودنا لإعادة التفكير في قضية عمل المرأة ، من حيث مفهوم عمل المرأة ، والدور الأساسي المطلوب منها أداؤه في المجتمع ، ومتى يمكن اعتبار المرأة عاطلة أو أنها النصف المعطل ؟!

فتصحيح مفهوم عمل المرأة ، والتأكيد على أن ما تقوم به ربة المنزل لا يقل بحال عما تقوم به العاملة خارج بيتها ، بل يفوقه – إذا أحسنت رعاية أولادها وهيأت لأسرتها أسباب السعادة والاستقرار –  ، لاشك أن ذلك سيؤدي إلى تصحيح النظرة القاصرة للمرأة المتفرغة لرعاية شئون أسرتها ، وبالتالي إذا اقتنعت المرأة بهذا سيحدث التوازن المطلوب بين المعروض من الوظائف النسائية والطلب عليها

ان تشجيع المرأة على البقاء في بيتها وقيامها على رعاية بيتها وزوجها ، وإظهار ايجابيات ذلك على الأسرة والمجتمع من خلال وسائل الاعلام المختلفة ، هو من أهم الوسائل لمواجهة هذا التحدي الكبير ، وهو مما تحض عليه الشريعة السمحاء ويجب أن لا نخجل منه . وبدون ذلك – في تصوري – لن ننجح في توفير وظائف لهذه الأعداد الهائلة والقادمة من النساء – حسب تعبير د. طاش – للكثرة أولاً ثم لأن الأجدر بنا هو توفير فرص عمل للأعداد الهائلة أيضاً والقادمة من الرجال ، فهم أولى بالعمل من المرأة لأنهم مكلفون بالنفقة عليها وليس العكس صحيح ، وفي نفس الوقت سوف لن نسلم من الآثار السلبية للشعور بالفراغ على نسائنا حتى المتزوجات والأمهات منهن ، ما دامت نظرة المجتمع للمرأة ربة المنزل بأنها غير منتجة أو عاطلة !!

إن جمع المرأة بين العمل خارج المنزل وداخله حمّلها عبئاً ثقيلاً ، ومحاولتها لإيجاد توزان بين العملين باءت لدى معظمهن بالفشل ، وإن ظهر للبعض غير ذلك ،  فلست مع من يقول بأن كثيرات من النساء قادرات على أداء دورهن كما يجب في وظائفهن وفي المنزل ، بل هن قلائل جداً ، ولست كذلك مع من لايرى بأساً في تجاوز المرأة عن بعض مسؤوليات البيت مادام ذلك برضى ولي أمرها وأن ذلك شأنهما ، لأن التجاوز في مسألة تربية الأبناء مثلاً وهو الحاصل عند كثير منهن أمر خطير وهو ليس شأنهما ، لأن انعكاساته ستكون على المجتمع ككل ، ولابد من المناصحة والحوار واتخاذ أفضل وسائل الاصلاح لتلافي حدوث شروخات في بنائنا الاجتماعي .

والله المستعان وسامحونا .

16/5/ 1417هـ                                                    فائز صالح محمد جمال

 

بيانات النشر

نُشر : يوم : الإثنين الموافق  18/5/1417هـ

في صحبفة : المدينة المنورة    رقم العدد : 12226       صفحة رقم : 11 (الرأي) .

التعديل : لا يوجد .

 

 

12226 المرأة الرأي 18/5/1417هـ المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق