مع الإجلال لسمو رئيس مجلس المنطقة
إن الحديث عن السياحة الداخلية ، والإهتمام الملحوظ بتنميتها إعلامياً ، و بهدف الحد من النزيف الإقتصادي جراء السياحة الخارجية ، ينبغي أن يواكبه ويُعضده أفعال على أرض الواقع بشكل عملي ..
و منطقة مكة المكرمة حظيت بفضل الله بمقومات لم تحظ بها أي منطقة من مناطق المملكة ، وهي بذلك مهيئة أكثر من غيرها على تعويض -ولا أقول التقليل من- نزيف الإقتصاد الممثل في إنفاق المواطن السعودي على السياحة الخارجية والذي يُقدّر بالمليارات من الريالات ، وذلك من خلال حسن استغلال ما هيئه الله عز وجل لهذه المنطقة من مقومات السياحة الخارجية وليس الداخلية فحسب ..
فاحتضان المنطقة للكعبة المشرفة قبلة المسلمين و مقصدهم للحج والعمرة ، وقربها من شواطيء البحر الأحمر و مرتفعات جبال السروات أعطاها مميزات عدة ..
أهم هذه المميزات وأولها على الإطلاق وجود الأماكن المقدسة التي يتعبد المسلمون بزيارتها على مدار العام ، ثم توافرها على أجواء المناطق الساحلية ممثلة في جدة عروس البحر الأحمر ، و توافرها أيضاً على المناطق المرتفعة ذات الطبيعة الجميلة والأجواء اللطيفة في معظم أيام السنة ممثلة في الطائف والهدا والشفا ..
و لعل قرب المناطق الثلاثة من بعضها البعض يُضيف ميزة نسبية هامة أخرى ، حيث أن القاصد لبيت الله الحرام يستطيع أن يستمتع بأجواء وإمكانيات السياحة على مدار العام ، ففي أشهر الصيف وما حولها يستمتع بأجواء الطائف والهدا والشفا ، وفي أشهر الشتاء وما حولها يستمتع بأجواء و مرافق جدة ..
وهذا التقارب بين مكة المكرمة و جدة و الطائف يُعطي الفرصة لنجاح عملية التكامل بين مرافق الخدمات السياحية بين المدن الثلاث كالفنادق و ملاعب الأطفال وغيرها ، بحيث يمكن على سبيل المثال تدوير العمالة بين المدن الثلاث حسب المواسم التي ترتفع فيها نسبة الإشغال والتشغيل ، ففي موسمي الحج ورمضان يتم التركيز على مكة المكرمة وفي الإجازة الصيفية على الطائف و في الأجواء الربيعية في جدة ، وهكذا ..
سقت هذه المقدمة لأتحدث عن منطقتي الهدا و الشفا ، واللتان لم تحظيا بعد بما يتناسب مع الحديث عن اهتمامنا بالسياحة الداخلية ، و دعم الإستثمار المحلي و المستثمرين في مجال السياحة ، فهما لا تزالان دون مخطط عام معتمد حتى الآن ، ولازال البناء فيهما يتم بطريقة أشبه ما تكون بالعشوائية ، إذ ليس هناك شوارع رئيسية أو فرعية مرصوفة ومحددة سوى الخط الدائري الذي نُفذ منذ ما يقارب العقدين من الزمان و بعض الطرق الفرعية ، وأما معظم الطرق فلا تزال ترابية ، و شبكة الكهرباء و الهاتف لازالت هوائية معلقة ، و ليس هناك شبكة متكاملة للمياه والصرف الصحي ، أيضاً ليس هناك حدائق عامة مريحة و ممتعة متوافرة على الخدمات الضرورية للسائح ، فالجمال والبغال ومخلفاتها ، و الدبابات و غبارها وعوادمها أصبحت من سمات معظم الحدائق في منطقة الطائف .
لقد مضى على قرار السماح بالبناء في منطقتي الهدا والشفا حوالي ثمان سنوات تم خلالها بناء مئات المساكن دون وجود مخطط معتمد لدى البلدية لكل من الهدا والشفا .. وهو ما أدى إلى ما يمكن وصفه بالبناء العشوائي .
والمعروف أن عدم وجود المخطط العام يعني عدم معرفة الشوارع الرئيسية والشوارع الفرعية ، وبالتالي لا يمكن لأي جهة خدمية كالكهرباء و الاتصالات ومصلحة المياه وغيرها عمل أي خطط أو برامج لتقديم خدماتها للمواطنين والمستثمرين في مجال السياحة ، كذلك عدم وجود المخطط العام يعني عدم تحديد الأماكن التي يجب تخصيصها للمرافق العامة و الحدائق والمنتزهات ، بالإضافة إلى المناطق الزراعية التي تُعد من السمات المهمة جداً لمنطقتي الهدا والشفا ، وبفقدانها أو تقلصها نتيجة للبناء عليها ستفقد هاتين المنطقتين أهم عوامل الجذب إليها .
و لا شك أن تأخر إعتماد مخطط عام يحدد معالم المنطقتين ويحافظ على مميزاتها سوف يؤخر تنمية وتطوير المنطقتين عموما ويعيق الإستثمار السياحي فيهما أيما إعاقة ، هذا من ناحية و من ناحية أخرى سوف يخلق ذلك مشاكل تنموية عديدة ، سيكون علاجها مكلف جداً إن لم يكن مستعصياً ، وستزداد هذه الكلفة وتتضاعف بمرور الوقت دون اعتماد المخطط العام ..
لذلك فإننا نتمنى على مجلس منطقة مكة المكرمة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز بحث أسباب تأخر اعتماد المخطط العام لمنطقتي الهدا والشفا كل هذه السنوات والعمل على تذليل جميع العقبات التي حالت دون اعتماده ، حتى نضمن تنمية متوازنة للمنطقتين تتم على أصول حديثة تناسب العصر الذي نعيشه ، و قبل أن نفاجأ بالكتل الخرسانية وقد ملأت فضاءات المنطقتين وفرضت علينا واقعاً عشوائياً يصعب تغييره ، فلازالت الفرصة مواتية ، و إن كانت تقترب من الفوات بمرور الأيام .. والله ولي التوفيق
19/6/1419هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 20/6/1419هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12144 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12144 شئون بلدية الرأي 20/6/1419 الندوة رابط المقال على النت http://