مشكلتنا المرورية و التعويل على التوعية
أصبحت مشكلتنا المرورية من الوضوح بقدر لا يسمح لاثنين أن يختلفا حول بروزها كظاهرة خطيرة ، و لا حول الحجم الكبير للخسائر البشرية و المادية و الاجتماعية المتحققة جراء ما تخلفه حوادث المرور .
ولقد ظللنا نعوّل كثيراً في السنوات الماضية وبكثير من التركيز على جانب التوعية ، و أقمنا إستناداً إلى ذلك خلال الخمسة عشر عاماً الماضية خمسة عشر أسبوعاً للمرور بهدف التوعية بمخاطر مخالفة أنظمة المرور ، ثم اكتشفنا أخيراً وبناءً على دراسة علمية نُشرت مؤخراً في الصحف فشل هذه الأسابيع في تحقيق أهدافها .
وقد سبق لي أن كتبت و غيري كثيرون حول مأساتنا المرورية ، وكنت في كل مرة أشير إلى أن الحل يكمن في بسط أنظمة المرور واستعادة هيبة النظام ، وذلك من خلال الحزم في تطبيق الأنظمة وعلى الجميع دون تفريق ، ومحاربة الواسطة والمحسوبيات التي أفسدت علينا حياتنا وخلفت لنا الكثير من المآسي والمظالم ، و أرى أن ذلك خير وسيلة لتحقيق الأمن المروري و تحقيق أهداف التوعية .
و قد عاتبني البعض على مثل هذه المطالبة وذكرني بأساليب بعض رجال المرور السيئة في تعاملهم مع المواطنين والمقيمين ، فعاودت الكتابة موضحاً أن مطالبتي باستعادة هيبة المرور إنما تكون بتطبيق النظام بحزم و بأسلوب حضاري ، وهو أمر مشاهد في كثير من بلدان العالم المتقدم ، و ليس كما يظن البعض بأن الحزم يقتضي إهانة الإنسان أو التعدي على كرامته ، بل و أضيف الآن أننا قد نكون في حاجة ماسة إلى إيجاد آلية لإنصاف المواطن من سوء تصرف بعض أفراد جهاز المرور أو الدوريات الأمنية تجاهه أثناء ضبط المخالفة أو تطبيق العقوبة.
وهئنذا أكرر و أكاد أن أجزم بأن التوعية المرورية غير كافية إذا لم يصاحبها بسط للنظام بحزم ، و ليس أدل على ذلك مما نشاهده جميعاً عند سفرنا إلى الخارج ، من انضباط والتزام و احترام لأنظمة المرور هناك من نفس أولئك المخالفين لدينا ، و هو ما يؤكد أن ذلك لم يحدث بسبب وعيهم المروري -كما قد يعتقد البعض- و إنما بسبب معرفتهم بصرامة الأنظمة المرورية هناك وتطبيقها على الجميع بحزم .
و ستظل مشكلتنا المرورية -فيما أرى- دون حل ناجع ، ما لم يواكب التوعية المرورية خطوات عملية لبسط النظام بحزم وصرامة على الجميع ، و من هنا قد يكون من المناسب أن نقترح تحقيق ذلك من خلال القيام بحملة وطنية ضد مخالفي أنظمة المرور ، على غرار حملة إدارة الجوازات ضد مخالفي الإقامة والعمل ، وأن تكون على مراحل زمنية محددة ، تبدأ بالحملة الإعلامية التي تؤكد على ضرورة الالتزام بأنظمة المرور ، وتُعلن عن عزم الإدارة العامة للمرور على تطبيق العقوبات التي ينص عليها النظام بحزم وعلى الجميع ، ثم يأتي التطبيق الحازم والعادل والحضاري للعقوبات التي ينص عليها نظام المرور .
وهنا لابد لنا من الإشارة إلى نقطتين هامتين :
الأولى : وهي ضرورة مراجعة العقوبات وتقييمها بحيث لا يكون هناك مبالغة في العقوبة ، و ذلك لسبب بسيط وهو أن العقوبة المبالغ فيها تستدعي طلب الواسطة و الشفاعة ، و قد تدفع المسئول عن تطبيق العقوبة أحياناً إلى التعاطف مع المخالف و الاستجابة للواسطة ، فعلى سبيل المثال نجد أن هناك شيء من المبالغة في عقوبة السجن أو الإيقاف لمجرد قطع الإشارة دون تفريق بين كون المخالفة قد وقعت عمداً أو بدون قصد ، أو بين من وقع فيها للمرة الأولى وبين المحترف في قطع الإشارات .
النقطة الثانية : وهي مرتبطة بسابقتها ومكملة لها ، و هي ضرورة إيجاد أسلوب التدرج في العقوبة ، فمن يرتكب مخالفة السرعة أو قطع الإشارة للمرة الأولى ليس كمن يكررها مراراً ، ومن يقع في المخالفة سهواً أو اضطراراً ليس كمن يمارس هواية ارتكاب جميع أنواع المخالفات المرورية ، إذن لابد من إيجاد آلية لتسجيل المخالفات التي يرتكبها السائق طوال حياته ، وإثباتها في سجله في الحاسب الآلي لدى المرور ، مع العقوبة التي طُبقت عليه ، و في كل مرة يرتكب فيها أي مخالفة يتم الرجوع إلى سجله ، والإطلاع على نوعية وحجم المخالفات التي ارتكبها والعقوبات التي طبقت عليه ، وبعد ذلك يكون الحكم و إقرار العقوبة المناسبة في حقه والرادعة له ، والتي قد تصل إلى السجن و سحب رخصة القيادة منه مرقتاً أو نهائياً ومنعه من القيادة تماماً ..
بهذه الطريقة فقط -بعد عون الله- سنرى انحساراً كبيراً للمخالفات المرورية ، وسنرى انحساراً للحوادث القاتلة والمروعة ، و سننعم بأمر الله بقيادة آمنة على طرقنا .
وأرجو أن نتذكر جميعاً عظم المسئولية ونحن نقود سياراتنا ، ونحن نخطط لمستقبل أجيالنا ، و نحن نعالج مشكلتنا المرورية ، و لنتذكر قولة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه معبراً حرصه على تأمين الطريق حتى للبغال حين قال وهو في المدينة المنورة : “لو أن بغلة عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر” ، أو كما قال رضي الله عنه ..
4/2/1420هـ فائز صالح محمد جمال ص.ب 5815 فاكس 5422611-02
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق 7/2/1420هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12331 صفحة رقم : 9 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12331 الداخلية و الأمن الرأي 7/2/1420 الندوة رابط المقال على النت http://