قرار الـ 5% سنوياً و الاستثمار الوطني

by Admin

قرار الـ 5% سنوياً و الاستثمار الوطني

تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن أهمية دعم الاستثمار الوطني و وجوب أن يكون الاهتمام به أولاً ثم يأتي من بعده الاستثمار الأجنبي ، و ذلك لأن الاستثمار الوطني أكثر ثباتاً في أوقات الأزمات ، وأضيف اليوم بأنه بدون وجود دعم للاستثمار الوطني سوف لن ينجح أي نوع من أنواع التشجيع للاستثمار الأجنبي ، فكما قيل أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فإذا لم ننجح في دعم الأصل فكيف سننجح في دعم الفرع ..

وكنا قد تحدثنا أيضاً عن وجود بعض الأنظمة التي تساعد على نفاد الاستثمارات الوطنية إلى الخارج ، بل وقد تدفعها إلى ذلك دفعاً -غير مقصود بالطبع- و أرجأنا الحديث عنها إلى هذا الأسبوع ..

و يمكننا القول بأن قرار الـ 5% المتعلق بسعودة الوظائف في القطاع الخاص هو أحد تلك الأنظمة التي نعنيها ، و الذي بدأ تطبيقه كأمر إلزامي منذ غرة رجب الحالي ، و بدء إيقاف مكاتب العمل لطلبات استقدام العمالة لكل من لم يحقق نسبة الخمسة في المائة ..

و في البداية أود من كل متحمس للسعودة  قبل أن يتهمني كأحد رجال القطاع الخاص بعدم الوطنية أو بالأنانية ، و الجشع ، و ما إلى ذلك من الأوصاف غير الحميدة .. ، و هو ما عتاد عليه البعض عند تناولهم لموضوع السعودة ، أود منهم التخلي عن معالجة الموضوع من خلال العواطف و التي ستنعكس سلباً على الجميع ، وأن يزنوا ما أقوله في مقالي هذا وفي غيره حول موضوع السعودة بميزان العقل و الموضوعية .. و أؤكد لهم أنني من المؤمنين بحتمية السعودة وكخيار استراتيجي ، و لاخلاف حولها من حيث المبدأ والمنتهى ، وإنما الخلاف هو حول الأساليب و الطرق المتبعة لتحقيقها ، والتي -وأعني الأساليب- أدت إلى عكس ما نريد من خلق المزيد من الفرص الوظيفية ، وذلك بسبب تضييق الخناق على مؤسسات القطاع الخاص وعلى الأخص الصغيرة منها والتي تشكل نسبة لا ينبغي الاستهانة بها ، و التي هي محط اهتمام وعناية الجهات المعنية في دول العالم المتقدم ، والتي هي الأكثر حاجة للدعم والعناية ، فنمو القطاع الخاص لا يتحقق في جو الفرض والإلزام الذي يُمارس الآن ..

ونعود إلى قرار الـ 5% و الذي هو موضوعنا اليوم ، و نذكِّر بأن القرار قد تعرض منذ صدوره لنقد من قبل بعض رجال الأعمال و مؤسسات القطاع الخاص ، بسبب افتقاره للدراسة الدقيقة لأوضاع القطاع الخاص وطبيعة أعمال مؤسساته ، وتعميمه على جميع المؤسسات التي بلغ عدد العاملين فيها 20 شخصاً دون النظر لطبيعة عمل المؤسسة ، ولا حجم الاستثمار و لا مستوى الرواتب فيها ، ولم يُستجب لذلك النقد ولم يُعر أي اهتمام من قبل المعنيين باستصداره ، وظل القرار كما هو منذ صدوره دون أي تعديل أو تطوير بما يخدم المصلحة العامة ، و لا أدل على عدم واقعية القرار من النسبة المتدنية التي تحققت منذ صدوره و حتى الآن والتي كما قيل أنها حول نسبة 1% فقط ، على الرغم من أن المستهدف طبقاً للقرار في هذا العام يصل إلى نسبة 20% .

إن العمل في مؤسسات القطاع الخاص تحكمه وتؤثر فيه عدة عوامل ، منها طبيعة أعمال المؤسسة وحجمها ، و لا شك أن بعض المؤسسات تستطيع الوفاء بالنسبة المطلوبة ، بل إن بعضها قد يتجاوز تلك النسبة وتحقيق نسبة أكبر بكثير كالبنوك و شركات البترول و الصناعات البتروكيميائية . في حين أن بعض المؤسسات ستظل عاجزة حتماً عن تحقيق النسبة المطلوبة نتيجة لطبيعة عملها كأن تكون شركة نظافة مثلاً ولديها أعداد كبيرة من عمال النظافة فهي بالتأكيد سوف لن تجد عمال نظافة سعوديون ، ولن تستطيع تحقيق نسبة الـ 5% حتى في مجال أعمال الرقابة و الشئون الإدارية ، وهناك مؤسسات صناعية أيضاً لا تستطيع تحقيق النسبة بسبب عدم توفر أعداد كافية من العمال السعوديين المدربين في المجال الصناعي ، بل و لا حتى الراغبين في التدريب على الأعمال الفنية التي تتطلب التعامل مع الآلات والمعدات و تلطيخ الأيادي بالشحوم والزيوت ..

وستظل نسبة الـ 5% متدنية جداً لبعض المؤسسات والشركات الكبرى ، و في نفس الوقت عالية جداً و غير قابلة للتطبيق في معظم المؤسسات الصغرى ، ليس فقط التي عمالتها في حدود 20 شخصاً بل حتى تلك التي يعمل فيها ما يتجاوز ذلك العدد بكثير ..

إن قرار الـ 5% وتطبيقه بالفرض والإلزام ، وتعطيل أعمال مؤسسات القطاع الخاص من خلال إيقاف طلبات الاستقدام لاحتياجاتهم من العمالة الأجنبية المدربة ، لاشك أنه سيربك أعمال مؤسسات القطاع الخاص و سيدفع بعض الاستثمارات إلى البحث عن بيئة أكثر مرونة في الخارج ، و من يتوقع غير ذلك عليه أن يقترب أكثر من القطاع الخاص لكي يعي طبيعة العمل فيه و محددات عمله و مقومات استمراره ، والتي يرقى بعضها لأن يكون سنناً كونية غير القابلة للجدل مثل قوى السوق و عوامل العرض و الطلب ..

لذلك فإن إعادة النظر في القرار وتعديله بما يتوافق مع طبيعة عمل القطاع الخاص و بما يضمن نموه ويعزز قدرته على خلق المزيد من الفرص الوظيفية ، أصبح مطلباً ملحاً .. والله ولي التوفيق .

17/7/1419هـ                                                                      فائز صالح محمد جمال

 

بيانات النشر

نُشر : يوم : السبت الموافق : 18/7/1419هـ

في صحيفة : الندوة           رقم العدد : 12168         صفحة رقم : 5 (الرأي) .

التعديل : لا يوجد .

 

12168 التجارة و الصناعة الرأي 18/7/1419 الندوة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق