فشل الخصخصة .. ساهر نموذجاً
للقطاع الخاص أسس يقوم عليها و محددات تحكم سلوك منشآته و العاملين فيه .. من أهم هذه الأسس الربحية .. بمعنى أن تأسيس منشآت القطاع الخاص يكون من أجل تحقيق مكاسب و أرباح مادية لأصحابه و ليس أي شيء آخر .. فهي منشآت ربحية .. بل ومن قواعد عملها العمل على تعظيم الربحية ..
ولذلك لا يُستغرب سعي القائمين على مؤسسات القطاع الخاص إلى الكسب و التربّح من وراء أعمال و تعاقدات مؤسساتهم بما فيها قيامهم بتشغيل بعض المرافق الحكومية ..
و الخصخصة أو الشراكة بين الحكومة و القطاع الخاص تهدف في الأساس إلى الارتقاء بمستوى ما يتم تقديمه من خدمات و خفض كلفتها و أعباءها على ميزانية الدولة ، و عندما تعمد الحكومة إلى الخصخصة فيجب عليها مراعاة ربحية القطاع الخاص ولكن دون التخلي عن مسئولياتها تجاه رعاياها .. و لا يصح أن تكون الخصخصة على حساب المواطن بل يجب أن تكون لصالحه من جهة جودة ما يتم خصخصته من خدمات و مرافق و دون تجيير الكلفة عليه ..
فلو أننا ركّزنا في خصخصة بعض مهام و خدمات الحكومة على ربحية القطاع الخاص فسوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع كلفة ما يُقدم من خدمة .. و أحياناً يؤدي إلى اجهاض مشروع الخصخصة بالكامل كما هو الحال في خصخصة تطوير العشوائيات على سبيل المثال ..
و في تجربة خصخصة ساهر التي هي موضوع هذا المقال فقد عمدت إدارة المرور و أمن الطرق إلى إيكال تمويل تأسيس و تشغيل منظومة ساهر لمؤسسات القطاع الخاص بالكامل .. فنتج عن ذلك أمران ؛ الأول عدم اكتمال التغطية للطرق و الإشارات المرورية عندما حان موعد تسليم المنظومة لإدارات المرور ، و الثاني سوء سلوك الشركات القائمة على ساهر بتصيد المواطنين لزيادة الغلة و تعظيم الربحية على حساب الناس ..
و أصبح حالنا مع ساهر كالمنبت لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقى لأننا حمّلنا القطاع الخاص بما لا قِبَل له به ؛ و أعني تكليفه بتمويل تأسيس بنية منظومة كميرات و نُظم ساهر على الطرق و داخل المدن و استحصال التمويل من المخالفات و هو ما كان يجب على الحكومة تمويله و إيكال التشغيل فقط للقطاع الخاص .. خصوصاً و أن انطلاقة مشروع ساهر واكب طفرة و وفرة في أموال الحكومة غير مسبوقة ..
و المحصلة النهائية لذلك أننا بقينا على رأس قائمة الدول في معدلات الحوادث المرورية و ما تخلفه من خسائر في الأرواح و الأموال للأسف ، لأن قدرات القطاع الخاص لم تمكنه من تمويل استكمال التغطية وهو ما جعل سلوك السائقين منضبط فقط في أماكن التغطية وهي لا تشكل سوى النسبة الأقل من طرقنا. و لأن وطأة الربحية دفعت الشركات المشغّلة إلى أن تعمد إلى أسلوب التصيّد بطريقة مستفزة حفزّت السائقين المتهورين على الإيغال في التهور و المخالفة بعيداً عن كميرات و رصد ساهر و هو ما جعل السير على الطرقات ضرباً من المغامرة و موتراً لأعصاب مستخدمي الطرق ..
و أما تجربة تطوير العشوائيات التي أشرت إليها عابراً فقد فرضت على الحكومة التنازل عن العديد من واجباتها في حماية المصالح العامة و تقديم الخاصة عليها ، و الأهم هو اجهاض غالب المشاريع بسبب عدم تحمل الحكومة لمسئولياتها و ضعف جدوى التطوير للقطاع الخاص بسبب تحميله تأسيس البنى التحتية و تعويض نزع الملكيات .. وهو ما سأعود إليها تفصيلاً في مقال لاحق كنموذج غير ناجح للخصخصة..
د. فائز صالح جمال
03/03/1438هـ
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
|
الإثنين |
06/03/1438 |
05/12/2016 |
مكة المكرمة |
1058 |
الرأي |
التعديل : حذف ما تحته خط |
|||||
1058 الداخلية و الأمن الرأي 06/03/1438 صحيفة مكة رابط المقال على النت http://makkahnewspaper.com/article/585913