عودة إلى هيبة المرور ..
كنت قد كتبت في المقال السابق بتاريخ 12/9/1418هـ في هذه الصحيفة ، حول هيبة المرور تحت عنوان (هيبة المرور .. متى تعود ؟) ، وذكرت أن كثيراً مما نشاهده من استهتار و حماقات و تصرفات يعود -إلى حد كبير- إلى تراجع هيبة المرور في نفوس قائدي السيارات من الشباب و الكهول أيضاً ..
و في أمسية بعد نشر المقال بأيام واجهت هجوماً و نقداً شديد اللهجة من شخص قرأ المقال وقال لي “همّ ناقصينك ؟؟ أو بالأصح نحن ناقصينك ؟؟ ، وشعرت في لحظتها أن محدثي من فرط غضبه من عنوان المقال لم يقرأه بتأنٍ ، وكذلك لا أخفيكم شعرت أيضاً أن توقيت نشر المقال -فيما يبدوا- لم يكن مناسباً ، فقد ضج الناس في هذه الأيام المباركة في مكة من رجال المرور المدججين بدفاتر المخالفات -حسب وصف الأستاذ محمد المفرجي في مقاله “العك المروري”- ، حيث أصبح جميع أفراد الميدان يحملون هذه الدفاتر (وهاتك يا قسايم) .
فطلبت من مهاجمي العودة إلى مقالي حيث أنني أوضحت فيه بأنني حينما أطالب بعودة هيبة المرور ، لم أطالب بزيادة القيمة النقدية المخالفات أو زيادة غرف التوقيف ، وإنما ما أطالب به هو الحزم والجدية في تطبيق أنظمة المرور و معاقبة المخالفين بالعقوبة المناسبة دون إفراط لا تفريط ، وأشرت إلى الواسطة التي لازالت تنخر في أوصال المجتمع ، وتحدثت عن التصاعد في العقوبات عند تكرار المخالفة من نفس الشخص ، وكذلك عن مخالفات رجال المرور و أخوتنا من القطاعات العسكرية الأخرى لأنظمة المرور و هم في مكان القدوة ، وقلت أن فاقد الشيء لا يعطيه ..
و أنا عندما أتحدث عن هيبة المرور لا أقصد هيبة رجال المرور أنفسهم و إنما أعني هيبة النظام ، والدليل على ذلك أنني أشرت إلى مخالفات بعض رجال المرور الذين فُقدت في أنفسهم أيضاً هذه الهيبة للنظام ، و لا أعتقد أننا نختلف على أهمية بل و وجوب تطبيق واحترام أنظمة المرور من قِبَل الجميع بكل الوسائل ، التربية و التوعية والقدوة وكذلك بقوة النظام ، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، فلو تأملنا ما تخلفه لنا المخالفات المرورية ، لحُق لنا أن نطالب بتطبيق أقصى العقوبات على أولئك المستهترين .. فقتلانا من حوادث المرور على مدار الساعة ، و يُعدُّون سنوياً بالآلاف ، و المصابين الذين تصل إصاباتهم إلى الشلل الرباعي والشلل الكامل هو أيضاً بالآلاف ، و الأرامل والأيتام والثكالى حدث ولا حرج ، و الخسائر الاقتصادية كذلك ، فهل بعد هذا نغضب من المطالبة بعودة هيبة نظام المرور و تطبيق بعض العقوبات المشددة ؟؟ لا أعتقد ..
إن بعض المخالفات وبعض التصرفات تستحق أن يُحال أصحابها إلى المحاكم الشرعية لتعزيرهم و الضرب على أيديهم بقوة ، و لمن يريد أن يعاين وضعنا المروري المزري ، فما عليه إلاّ أن يتجول في الشوارع أو على الطرق السريعة -وعلى الأخص طريق مكة جدة السريع- قبيل أذان المغرب في أي يوم من أيام شهر رمضان المبارك ، فسيرى العَجَب العُجَاب ، و يتضح له ما وصل إليه الحال بالنسبة لاستهتار البعض بأرواح الناس و أمنهم و إيذائهم ، فالسرعة العالية على طريق مكة جدة السريع وهو مكتظ بالسيارات تثير الذعر في نفوس مستخدمي الطريق لأن وقوع خطأ من أحد السائقين سيسبب تصادم عدد كبير من السيارات -لاكتظاظ الطريق بها- وسيوقع عدد كبير من ضحايا بين قتيل وجريح ومصاب وقد حدث ذلك فعلاً ، و أما قطع الإشارات فيتم عند أكبر و أخطر التقاطعات دون اكتراث قُطّاع الإشارات بخطورة ما يقدمون عليه ، و أما الوقوف و سد الطريق على الناس لشراء الفطور فأيضاً أمر مشاهد و يبرره الصيام !! في حين أننا مأمورون بإماطة الأذى عن الطريق ..
بين الإفراط و التفريط
و أما ما يتعلق برجال المرور المدججين هذه الأيام بالقسائم ، ففي الواقع لوحظ إفراط بعضهم في منح القسائم ، وأصبح الأمر ملموساً ولا تخطئه العين ، وأصبح الناس يرددون ما شاع بينهم من انطباع بأن هذه الحملة هي لتغذية صندوق رواتب شهر رمضان ، وان على الجندي إنهاء دفتر المخالفات في يومه وإلاّ يتهم بالتقصير في عمله ، ومما يثير الحزن في النفس أنك تجد على سبيل المثال في مجال الوقوف أن رجل المرور الذي يمنح قسيمة لمن يقف بسيارته لدقائق في وقت يسمح بذلك و في مكان لا يعيق الحركة وهو داخل السيارة ، هو نفسه يقف بجانب إحدى السيارات الفارهة وتكون واقفة لساعات دون أن يتم سحبها أو منحها قسيمة المخالفة ، و هنا يتجلى الإفراط و التفريط ، وكذلك تجد أماكن يتم منع الوقوف فيها طيلة النصف الأول من رمضان و يتم سحب السيارات منها و منحها القسائم ، فإذا جاء النصف الثاني من الشهر وجدتها ممتلئة عن آخرها بالسيارات الفارهة ، وهذا مثال آخر على الإفراط والتفريط عند تطبيق النظام ، فمن الممكن السماح للجميع بالوقوف طيلة أيام الشهر لأصحاب السيارات الفارهة وغير الفارهة ، و أما منع سيارات و السماح لسيارات فهو أمر لا يقره النظام ولا يقبل به ولاة الأمر في هذه الدولة السنية .. والله المستعان ..
24/9/1418هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 26/9/1418هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 11932 صفحة رقم : 7 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
11932 الداخلية و الأمن الرأي 26/9/1418هـ الندوة رابط المقال على النت http://