عدوى السعودة
لا نختلف من حيث المبدأ على أن سعودة الوظائف خيار استراتيجي لابد منه و لا حياد عنه ، إلاّ أننا قد نختلف حول الأسلوب الأمثل لتحقيقها ، هذا من جهة ، و لكن من جهة أخرى لابد لنا في خضم سعينا واندفاعنا نحو تحقيق السعودة من التنبه إلى عدم تحويلها إلى مفاهيم سلبية ، أو أن تكون سبباً في زرع مثل هذه المفاهيم ، كرفض الآخر أو الانغلاق على النفس و التقوقع أو التمييز ضد الآخر .
و لقد تردد في الآونة الأخيرة عبر الصحافة ما يدل على انتقال مصطلح السعودة إلى مجالات أخرى غير مجال فرص العمل ، فظهرت مصطلحات جديدة ، كسعودة الزوجات ، و سعودة الطلاب ، وهذا الأخير هو موضوعنا اليوم . فقد كتبت الأستاذة الجوهرة بنت محمد العنقري في زاويتها بصحيفة عكاظ تحت عنوان “التمهيد لسعودة الطلاب” تعليقاً على قرار صدر في بداية هذا العام 1420/1421 يقضي بعدم قبول الطالبات الأجنبيات في المدارس الحكومية ، سواء المستجدات أو المنتظمات من سنوات سابقة ، و يستثني القرار الطالبات اللائي يعمل أولياء أمورهن في القطاعات الحكومية ، و طالبت الأستاذة الجوهرة بالتمهيد لمثل هذا القرار أو تحديد رسوم دراسية مخفضة على الطالبات الأجنبيات . و يبدو أن القرار خاص بمحافظة جدة لأنه لم يُطبق في المدن الأخرى .
و أود أن أتناول القرار من زاويتين :
الزاوية الأولى : حرمان بنات الأخوة الوافدين من ميزة التعليم في المدارس الحكومية ، في حين أننا لا زلنا في حاجة إلى ما يمتلكونه من خبرات و ما يقدمونه من خدمات في المجالات المختلفة ، وهم والحالة هذه لا يزالوا يسهمون بدور مقدّر في مسيرة التنمية في بلادنا .
الزاوية الثانية : هي التمييز بين الوافد الذي يعمل في القطاع الخاص و الذي يعمل في الجهات الحكومية ، لصالح من يعمل في الجهات الحكومية الذي يُعتبر في الأساس في وضع أفضل من نظيره في القطاع الخاص من ناحية الراتب والمزايا الأخرى ، وهذا التمييز يتعارض مع نظرة الدولة إلى تكامل دور القطاع الخاص مع القطاع العام وتوحدهما فيما يشبه القطاع الواحد ، وكذلك يتعارض مع توجهات الدولة إلى دعم القطاع الخاص ليقوم بأدوار جديدة في المراحل المقبلة من التنمية في ظل العولمة القادمة .
وإذا أضفنا هذا القرار إلى القرار السابق الذي قضى بعدم علاج من يعمل في القطاع الخاص من الأخوة الوافدين في المستشفيات الحكومية ، -والذي لم يؤد للأسف إلى تحسن خدمات تلك المستشفيات- ، نجد أن مثل هذه القرارات قد تعزز عند بعض الأخوة الوافدين بأننا ننظر إليهم نظرة غير متوازنة أو أننا نسعى إلى تطفيشهم لا سمح الله . و قد تدفع ببعضهم إلى البحث عن فرص عمل في الدول الأخرى المجاورة ، و مثل هذا الأمر قد يخلق في المستقبل إشكاليات ، منها إمكانية أن يُصبح سوق العمل لدينا طارداً للكفاءات الأجنبية التي نحن في حاجتها ، و لن يقبل بالعمل لدينا إلاّ العمالة غير المؤهلة أو تلك التي لم تنل نصيبها من التدريب الجيد ، و التي قد لا تجد فرصاً في الأسواق الأخرى ، و منها أن يُصبح قطاعنا الخاص عاجزاً عن استقطاب الكفاءات الأجنبية ، أو سيجد نفسه مضطراً لدفع مبالغ أكبر مما تدفعه تلك الدول لاستقطاب نفس الكفاءات من العمالة الأجنبية مع الالتزام بدفع تكاليف العلاج و التعليم لأسرهم ، و سيكون لمثل هذا الوضع انعكاساته السلبية على الاقتصاد ، التي سوف لن تقتصر على القطاع الخاص وإنما ستشمل عموم المواطنين و على الأخص ذوي الدخل المحدود .
قد يكون في رحيل بعض الأخوة الوافدين ما يتيح بعض الفرص للشباب السعودي ، ولكن لابد لنا من التنبه إلى أن خسارة القطاع الخاص للكفاءات الأجنبية دون توفر بديلها المساوي لها في القدرة والإنتاجية والراتب أيضاً سوف يربك القطاع الخاص ويُضعف قدرته على النمو و على خلق فرص وظيفية جديدة يكون للسعوديين نصيب منها .
ومرة أخرى نجد أن السعودة تضغط بشكل غير مباشر على القطاع الخاص ، و ينضم هذا القرار إلى قائمة الضغوط التي يواجهها القطاع الخاص ، والتي من المتوقع أن تتعاظم في ظل العولمة القادمة والتي لم نستعد لها كما ينبغي حتى الآن .
فهل لنا نتطلع إلى المجلس الاقتصادي الأعلى لأن ينظر فيما يواجهه القطاع الخاص نظرة موضوعية ، استراتيجية ، بعيداً عن ضغوط تذبذب أسعار البترول و عجز الميزانية ، نظرة تعيد لهذا القطاع حيويته و تدفع به إلى الأمام ، و تجعلنا أقدر على استبقاء رؤوس الأموال الوطنية التي لم تهاجر حتى الآن جراء الضغوط التي أحدثتها بعض القرارات التي أُقرت على عجل .
و الله من وراء القصد .
19/6/1420هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02
Email: fayezjamal@yahoo.com
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق 22/6/1420هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12445 صفحة رقم : 5 (الوطن) .
التعديل : حذف ما تحنه خط .
12445 عمل و توظيف الوطن 22/6/1420 الندوة رابط المقال على النت http://