طاهر و جميل و عابد
رحمه الله رحمة الأبرار .. دار شريط طويل من الذكريات عندما تلقيت نبأ وفاة العم العزيز طاهر بن جميل عابد ، القائم بالأعمال و رئيس الهيئة الدبلوماسية السعودية في كينيا ، و مدير عام وزارة الحج سابقاً ، و رئيس مجلس إدارة جمعية البر بمكة المكرمة .
فتربطني بأبي محمد يرحمه الله -وهو زوج شقيقتي الكبرى عفاف- علاقة خاصة منذ طفولتي ، و أيام دراستي في القسم الداخلي بمدارس الثغر النموذجية بجدة ، حيث كان يقيم ، فكثيراً ما كان يصطحبني معه مساء الجمعة من مكة إلى جدة ، لأبيت عنده ليلة السبت ، ثم يوصلني المدرسة صباح السبت لأمضي فيها بقية الأسبوع.
عمل يرحمه الله في عدة جهات حكومية لعل أبرزها عمله في وزارة الخارجية ، وكان يتمتع بحيوية و نشاط ملفت في إنجاز أي مهمة يُكلف بها و يقبلها ، ففي عام 1978م كُلف يرحمه الله بتأسيس أول سفارة للمملكة في دولة كينيا ، وكنت ممن كان في وداعه في مطار جدة ، هو وزميليه الأستاذ فواز جخدار ، و الأستاذ فرج الذي لم تسعفني الذاكرة بلقبه ، ثم كنت أول من لحق به لأصحب زوجته و أولاده في رحلتهم للحاق به إلى كينيا ، وذلك بعد مغادرته المملكة بأسبوعين.
و أذكر أن أهم ما لفت انتباهي -بالرغم من يفاعتي و صغر سني حينها- أنه خلال هذين الأسبوعين قد فرغ يرحمه الله من تأسيس مقر دائم للسفارة و مقر إقامته ، في حين أنه على حد علمي أن الحالات المشابهة في تأسيس السفارات لأول مرة في أي دولة تستغرق عدة أشهر ، و أحيانا تباشر السفارة أعمالها في مقار مؤقتة و في الفنادق ريثما يتم تأسيس المقر.
و أمضى في كينيا حوالي ثمان سنوات ، تولى خلالها مهام السفير غير المقيم في أوغندا ، و أشرف ودعم الأنشطة الدعوية التي تضطلع بها المملكة ، و كان من الدبلوماسيين الذي أحسنوا تمثيل المملكة ، و ما تؤمن به و تدعوا إلى التمسك به من قيم الإسلام وتعاليمه ، دون الإخلال أيضاً بما يمليه عليه عمله من التزام بتقاليد و برتوكولات الدبلوماسية ، و هو اعتدال و توازن لا يجيده إلاّ القلائل. فالبعض يفرط في مجارات الأعراف الدبلوماسية و تقليد مراسم الدول الأخرى حتى لو خالفت أعراف و تقاليد و قيم الدولة التي يمثلها ..
ولعل للعم طاهر من اسمه أوفر نصيب ، فقد كان يرحمه الله (طاهراً) عف اليد ، وأذكر أنه كان أثناء عمله قائماً بالأعمال في كينيا كثيراً ما يتحمل أعباء و مصاريف هي في الأصل من مخصصات القائم بالأعمال وضمن ميزانية السفارة ، وفقاً لمبدأ (أن يكون له لا عليه) و كان كذلك في كل جهة عمل فيها..
و كان (جميلاً) سخياً كريماً مع ضيوفه الرسميين وغير الرسميين ، وكان لطيف المعشر ، عطوفاً و قريباً جداً ممن يعملون معه.
و في السنوات الأخيرة أنهكه المرض ، و كنت أراه يتألم يرحمه الله ، و لكن حبله بالله لم ينقطع ، بل توثقت عُراه في أيامه الأخيرة أكثر فأكثر ، فلا تسأله عن حاله إلاّ قال الحمد الله ، حتى و هو في شدة المرض و الألم .. فكان (عابداً) رحمه الله رحمة الأبرار.
كنت كلما أزوره في المستشفى وخصوصاً في المرة الأخيرة التي توفاه الله فيها ينتابني شعور بأن له عند الله مكانة عالية –ولا أزكيه على الله و لا أتألّى عليه سبحانه وتعالى- لن يبلغها إلاّ بما أصابه من شدة في مرضه الأخير، لأن من عاشره و عمل معه عن قرب يلمس بذور الخير التي كانت تملأ نفسه ، و الحب الذي يحمله لمن حوله.
أسأل الله أن يغفر له و يرحمه ، و يجيزيه عني خير الجزاء ، و أن يبلغه الدرجات العلا من الجنة ، و أن يلهم أهله و محبيه الصبر و السلوان .. و إنا لله و إنا إليه راجعون.
14/7/1428هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02 Email: gm@althaqafa.com
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
الإثنين |
16/7/1428هـ |
المدينة المنورة |
16168 |
الرأي |
التعديل : لا يوجد. |
16168 مكة المكرمة الرأي 16/7/1428هـ المدينة رابط المقال على النت http://