رؤى حول الحج و الطوافة: جمود العوائد و فرص التطوير الضائعة
المقصود بالعوائد ، المبالغ التي يدفعها الحجاج مقابل بعض الخدمات التي يقدمها لهم أرباب الطوائف ، و هم المطوفون و الزمازمة في مكة المكرمة ، و الأدلاء في المدينة المنورة ، و الوكلاء في جدة ، وهي بمجموعها مبلغ 294ريال عن كل حاج . (فقط مائتان و أربعة و تسعون ريال موزعة على الجهات الأربعة).
و هذه العوائد في العادة يتم النظر فيها دورياً و زيادتها من فترة لأخرى وفقاً لمقتضيات ما يطرأ على تكاليف الخدمات ، و الحاصل الآن أن هذه العوائد مجمدة و لم يطرأ عليها أي زيادة منذ عام 1398هـ ، أي ما يقارب الثلاثين عاماً. بينما الخدمات التي يقدمها أرباب الطوائف تطورت بشكل كبير منذ ذلك الوقت ، و ذلك سواء في الخدمات التي هي في الأساس مشمولة بهذه العوائد وفقاً لنظام المطوفين العام ، أو إضافة خدمات ليست مشمولة و ليست من واجبات أرباب الطوائف.
البعض يعيد أو يبرر هذا الجمود إلى انخفاض معدلات التضخم في المملكة عبر العقود الثلاثة الأخيرة ، و إلى الوفورات التي تحققت بسبب تحول مهنة الطوافة إلى العمل الجماعي ، و هو ما يطلق عليه وفورات اقتصاديات الحجم.
و لكن في ظل ما طرأ من ارتفاع في تكلفة الخدمات الأساسية عبر ثلاثة عقود ، و تطوير آليات تنفيذها ، و إضافة خدمات جديدة ليست من اختصاص أرباب الطوائف ، و انخفاض القوة الشرائية للريال ، مقارنة بقوته في سنة آخر زيادة للعوائد و هي 1398هـ ، (و مثال للتوضيح: فإننا الآن ندفع أربعة أضعاف ما كنا ندفعه لشراء ذات البضائع المقومة بالدولار الأمريكي التي لم تتأثر بارتفاع سعر صرف العملات الأخرى كالين الياباني و العملات الأوربية و اليورو التي أصبحنا ندفع خمسة و ستة أضعاف سعر البضائع المقومة بها) ، و في ظل التطلع إلى تطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، و أن ذلك يحتاج إلى استقطاب كفاءات ، و الاستعانة بخبراء ، و استخدام تقنيات ، و كل ذلك يحتاج إلى تمويل ، فإن كل ذلك يدعونا إلى التعجيل بالنظر في تلك العوائد المقررة منذ ثلاثين عاماً ، و زيادتها بما يسمح لنا من مواكبة التطورات ، بل الانطلاق إلى آفاق جديدة من التطوير و و الإبداع في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.
ومن الخدمات التي تعذر تطويرها بسبب محدودية الموارد المالية على سبيل المثال لا الحصر :
1. توعية الحجاج و إرشادهم : إن القريبين من ضيوف الرحمن ، و المعنيين بخدمتهم و تيسير أدائهم لمناسكهم يعرفون حق المعرفة مدى الحاجة إلى تعريف ضيوف الرحمن و توعيتهم ما يجب عليهم مراعاته خلال مراحل رحلة الحج ، و إلى تعريفهم بالمناسك و رخص التيسير في أدائها –وهذا السبب الأساسي في نشوء مهنة الطوافة- ، و ظللنا طوال العقود الماضية نراهن على تعاون بعثات الحج للدول الإسلامية للقيام بهذا الدور ، و لازلنا ، و من خلال التجربة يظهر أن تعاون البعثات لا يزال متفاوتا ، و أداء الغالبية دون مستوى التطلعات ، و هذا ما دفعنا في المجلس التنفيذي لخدمة حجاج مصر في مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية للقيام بدراسة مبدئية و إعداد مشروع ، للقيام بهذا الدور ، والاستفادة من الوقت الذي يمضيه الحجاج في الانتقال من المطار إلى سكنهم ، و الذي يستغرق عدة ساعات ، و استغلاله في توعية الحجاج و الرد على استفساراتهم و تزويدهم بمعلومات تعينهم ، و تدعم مقدمي الخدمة في أدائهم لمهامهم في تمكين الحجاج من أداء مناسكهم براحة و اطمئنان ، و لم يعق التقدم في تنفيذ المشروع إلاّ التمويل لأن مثل هذه الأفكار تحتاج إلى استقطاب أعداد من المرشدين المؤهلين و ذوي كفاءة وتأهيل خاص من المطوفين ، و العوائد بوضعها الحالي لا تسمح بتحقيق هذا المشروع الحيوي.
- 2. تحسين خدمات الحجاج الفرادى : هناك فئة من الحجاج اصطلح على تسميتها بفئة الحجاج الفرادى ، و هم الحجاج الذي لا ينضوون تحت مظلة بعثات الحج ، و يأتون فرادى و بمجموعات صغيرة ، و لهم تنظيمات خاصة . و لخدمة هؤلاء الحجاج بشكل أفضل مما هو عليه الحال فنحن في حاجة إلى برنامج خدمة خاص ، و أساليب عمل تختلف عن تلك المطبقة مع الحجاج الذين يأتون ضمن تنظيمات بعثات الحج ، و نحتاج إلى أعداد أكبر من المطوفين و الموظفين المساندين ، و إلى وسائل و أساليب نقل ذات كلفة أعلى ، و ما يحول دون ذلك هو عدم القدرة على التمويل ، بسبب العوائد المحدودة و المجمدة منذ ثلاثين عاماً.
3. التدريب و تنمية المهارات الفردية ، و تطوير العمل الجماعي ، كلها أمور تحتاج -لو أردنا أداءها كما يجب- إلى أموال طائلة . و هي الآن تؤدى عند مستوياتها الدنيا ، و سبب عجزنا عن تمويلها هو مبلغ العوائد الذي أصابه الجمود منذ ثلاثين عاماً .
4. استقطاب المزيد من الكفاءات من أبناء الطوائف ، و الاستعانة ببيوت الخبرة في المجالات الإدارية و الدراسات السلوكية و غيرها مما يحتاجه التطوير الحقيقي للخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، كل ذلك يحتاج إلى أموال ، و جمود العوائد حرمنا من ذلك.
5. الحراسات و النظافة و تنظيم الإسكان في المشاعر وخصوصاً في منى ، و إرشاد الحافلات في المشاعر أيضاً تحتاج إلى أموال إضافية لتكون أكثر كفاءة مما هي عليه الآن.
6. من السلبيات التي رُصدت على عمل المؤسسات ، ضعف العلاقة الإنسانية بالحجاج ، و حميمية التعامل معهم ، بسبب زيادة أعداد الحجاج ، و طبيعة العمل المؤسسي مقارنة بالعمل الفردي ، و كنا قد تبنينا في مؤسسة الدول العربية مشروعاً لإحياء هذه العلاقة ، و تنميتها ، و أقمنا ما أسميناه ملتقى المطوف ، و هو نموذج مطور للمركاز الذي كان ينصبه المطوف أمام مقره ليستقبل فيه حجاجه ، و كانت من فعالياته –و أعني ملتقى المطوف- ، إلقاء المحاضرات التوعوية ، و توزيع الكتب ، و تبادل الأحاديث الودية و الرد على استفسارات الحجاج في جميع أمورهم ، و كان موضع استحسان الحجاج وبعثاتهم . أقمنا في السنة الأولى ثمانية ملتقايات ، و اضطررنا في العام الذي يليه إلى تخفيضها إلى ستة لمحدودية الميزانية و للرغبة في تحسين النوعية ، و لو أردنا توسيع تطبيق الفكرة لتستعيد هذه العلاقة وضعها في التعارف و المودة بين الحجاج و المطوفين ، فإننا في حاجة لتمويل ..
هذه نماذج من خدمات و أفكار لم نتمكن من تحقيقها بسبب قلة ذات اليد ، و جمود العوائد طوال ثلاثة عقود تغير فيها كل شيء إلاّ هي.
23/12/1427هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02 Email: gm@althaqafa.com
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
الإثنين |
26/12/1427هـ |
المدينة المنورة |
15972 |
الرأي |
التعديل : لا يوجد. |
15972 الحج و الطوافة الرأي 26/12/1427 المدينة رابط المقال على النت http://