رؤى حول الحج و الطوافة: الموسمية و تعميم النظرة السلبية

by Admin
رؤى حول الحج و الطوافة: الموسمية و تعميم النظرة السلبية

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن كيف أن جمود العوائد ضيع و لايزال يضيع علينا فرص لتطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، و اليوم سأتحدث عن مسألتين أيضاً لهما أثر في إبطاء عجلة التقدم إلى الأمام ، و هما الطبيعة الموسمية لأعمال الحج ، و تعميم النظرة السلبية للمطوفين.

فأما الطبيعة الموسمية لأعمال الحج ، فقد تجلت بشكل أكبر في ظل نظام المؤسسات ، و تطور وسائل نقل الحجاج من و إلى بلدانهم ، فقد كان المطوف في ظل نظام العمل الفردي ، يمضي شهور من السنة في جولاته التعارفية و التسويقية في بلدان الحجاج الذين يخدمهم ، ثم يمضي شهوراً أخرى في خدمتهم في مكة و المشاعر ، فقد كان الحجاج يقدمون إلى قبل الحج بأشهر -بعضهم من رجب- و يغادرون بعد الحج بأشهر .. أي أن المطوف متفرغاً لمهنته و مشغولاً بها معظم أيام و شهور العام ..

أما في هذه الأيام و مع تطور وسائل النقل ، و عدم حاجة المؤسسات لإيفاد المطوفين إلى بلدان الحجاج ، فقد أصبحت فترة عمل غالبية المطوفين في أقصاها ثلاثة أشهر في كل عام ، و بقية العام ينصرف كلاً إلى وظيفته و عمله الدائم .

و هذه الطبيعة الموسمية تؤدي إلى أمرين ، الأول : هو عدم إمكانية تفرغ المطوف لمهنته تفرغ كامل طوال الموسم ، و هو الثلاثة أشهر ، لأنه ليس هناك أي جهة تمنح موظفيها ثلاثة أشهر في كل عام ، و بالتالي فإن الأداء هنا يتأثر بقدر التعارض ما بين العمل الدائم و العمل الموسمي ، و هذا برغم تضحية أعداد كبيرة من أرباب الطوائف بإجازاتهم السنوية و أخذها في موسم الحج من كل عام. و الأمر الثاني : هو عدم تمكن المؤسسات من استبقاء بعض القيادات و الكفاءات للعمل على مدار العام ، لعدم توفر حجم أعمال ، و لا أموال بما يسمح باستبقائها ، و وضع البرامج التدريبية لتنمية معارفها و تطوير مهاراتها ، بما ينعكس على أدائها في خدمة ضيوف الرحمن.

و هذا في رأيي يحدث إبطاء لعجلة تقدم و تطوير المهنة ، و يعطل الارتقاء بخدمة الحجاج ، لأن تراكم الخبرة و المعرفة و تطوير التجربة و الأداء يتم في جزء بسيط من السنة.

و الآن لدينا فرصة لتخفيف حدة أثر هذه الطبيعة الموسمية ، باستبقاء الكفاءات ، و إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممن يعملون موسمياً للعمل طوال العام ، و هذه الفرصة هي تمكين مؤسسات أرباب الطوائف من المشاركة في خدمة المعتمرين ، فقد مضت عدة سنوات ولم يُفسح المجال أمامها لهذه المشاركة برغم أنها من الجهات المسموح لها أصلاً في نظام العمرة. فهذه المشاركة ستنعكس إيجاباً على قطاع العمرة لما تتمتع به هذه المؤسسات من خبرات ، و مصداقية ، و التزام بالأنظمة و التعليمات ، و بما لها من علاقات بالشركات و الوكالات المنظمة للعمرة ، و قدرة على مواجهة ظاهرة بيع تأشيرات التي مكنت الوكالات الخارجية من سوق العمرة ، و العمل في الداخل ، و الفوز بنصيب الأسد و ترك الفتات لمعظم شركات العمرة الحالية ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى ستنعكس على أداء المؤسسات في موسم الحج ، لأنها ستتمكن من زيادة نسبة العاملين على مدار العام ، و هذا ما سيمكنها أولاً من مواكبة برنامج تقييم و مراجعة الموسم الذي تقوم به وزارة الحج و الجهات الأخرى بكفاءة و فاعلية ، و مراجعة السلبيات و تطوير الإيجابيات بشكل أفضل مما هي عليه الآن ، و كذلك يمكنها من وضع برامج تدريبية طويلة الأمد لتطوير معارف و مهارات أعداد أكبر من المطوفين للارتقاء بأدائهم ، و بالتالي بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.

و أما بالنسبة لمشكلة تعميم النظرة السلبية للمطوفين ، فهي من المشكلات التي أثرت على بيئة العمل في الحج ، و خلقت ما يمكن أن نسميه أزمة ثقة بين المطوفين و المسئولين في الجهات المعنية. فأصبحت بيئة العمل طاردة للكفاءات و لأصحاب المبادرات ، و ساهمت أزمة الثقة في خلق حاجز نفسي أعاق التواصل أو بعبارة أدق شوّش على خطوط الاتصال ما بين مؤسسات الطوافة و الجهات الأخرى ، و أضعف العلاقة البناءة فيما بينهم.

إن المطوفين كأصحاب مهنة شأنهم شأن أصحاب أي مهنة أو فئة أو شريحة ، فيهم الصالح و فيهم غير ذلك ، و لا ينبغي تعميم السلبيات التي تقع من البعض وجعلها سمت للكل ، لأن هذا التعميم يفسد العلاقة ، و يُزعزع الثقة ، و سينعكس بالضرورة على مستوى الأداء ، و قد لمست –برغم التحسن النسبي في فترات معينة- كيف أدى ضعف الثقة إلى تهميش دور المطوفين ، و عدم إفساح المجال أمامهم للمشاركة في صنع القرار ، و بالتالي الإخفاق في تحقيق الأهداف التي يسعى لها الجميع كما ينبغي في تمكين الحجاج من أداء نسكهم براحة و اطمئنان.

إن العناية بالمطوفين باعتبارهم الفئة الأكثر التصاقاً بالحجاج سينعكس حتماً على مستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، و لذلك تبنينا في مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية شعار (نهتم بالمطوف لنرتقي بخدمة الحاج).

إنني في ختام هذه السلسلة من الرؤى حول الحج و الطوافة أود أن أجمل ما جاء فيها فيما يلي:

1-         أؤكد أنها –وأعني الرؤى- من وحي التجربة و العمل في الميدان ، و التخصص العلمي في مجال الإدارة ، و ليست تنظيراً من خلف المكاتب ، و هي لاشك تحتاج لمزيد من التفصيل الذي لا تتسع له هذه الزاوية.

2-         أن الإدارة بمفهومي الشراكة و روح الفريق تفرضها طبيعة أعمال الحج و ما يكتنفها من تعقيدات ناتجة عن تباين ثقافات الحجاج و سلوكيات الحشود الكبيرة ، و عن التوقيتات الزمانية و المحددات المكانية ، وتعدد الجهات المعنية بالحج ، و هو ما سوف يرتقي بالأداء ، و بنوعية و مستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. و لتحقيق ذلك نحتاج إلى جهد كبير و منظم ، و إلى نفس طويل ، و قبل ذلك إلى قناعة و دعم القيادات العليا للحج.

3-                     أن تبني مبدأي الشراكة و روح الفريق يستلزم اعتماد هياكل إدارية داعمة لتحقيقهما.

4-         أن جمود عوائد أرباب الطوائف لمدة ثلاثين عاماً أدى إلى تضييع فرص عديدة و ذات أهمية لتطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. و علينا الإسراع في النظر في العوائد و في اقتصاديات الحج ، بما يؤدي إلى الارتقاء بالأداء.

5-         أن لمواجهة إشكاليتي الطبيعة الموسمية لأعمال الحج ، و تعميم النظرة السلبية للمطوفين ، آثار إيجابية على مستوى الأداء و الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن كما أوضحت في هذا المقال.

و هناك رؤى و أفكار أخرى قد أعود إليها فيما بعد ، و لكن سأتوقف عند هذا القدر ، مراعاة لحق القراء.

29/12/1427هـ   فائز صالح محمد جمال  فاكس 5422611-02 Email: gm@althaqafa.com


بيانات النشر

اليوم

التاريخ

الصحيفة

رقم العدد

الصفحة

الإثنين

26/12/1427هـ

المدينة المنورة

15972

الرأي

التعديل : لا يوجد.

 

15972 الحج و الطوافة الرأي 26/12/1427 المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق