حول قرار منع الغاز و الطبخ في منى !!
ليس هذه هي المرة الأولى التي يُقترح فيها منع الطبخ في منى ، بل يكاد كلما شب حريق في منى كان من ضمن الاقتراحات منع استخدام الغاز ومنع الطبيخ والنفيخ في منى ، ولاشك أن الدفاع المدني يؤيد مثل هذا القرار لما تسببه أنابيب الغاز عندما تنفجر كالقنابل فتزيد من انتشار الحريق ، ولاشك كذلك أن كثير من الناس يتعاطفون مع القرار من واقع تأثرهم وحزنهم على ضحايا كل حريق يشب في منى .. ومن لا يحزن ويبكي بدل الدموع دماً على ضحايا أي حريق خصوصاً إذا كانوا ضيوفاً للرحمن ..
وقد قرأت في إحدى الصحف استطلاعاً حول قرار منع الطبخ في منى و الاكتفاء بإحضار وجبات جاهزة تُطبخ خارج منى ويتم إحضارها وقت الوجبات ، وانقسمت الآراء بين مؤيد للقرار وبين متحفظ على استحياء وبين موضح لظروف بعض الجنسيات من الحجاج فيما يتعلق بنوعية طعامهم وأسلوبهم في تحضيره ..
إن تأييد القرار جاء فيما يبدو لي لما ألفناه من مقولة (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح) ، ولم نفكر في كيفية التقليل من الآثار الضارة لهذه الريح بدلاً من سد منافذها إلينا ، بل لم نفكر كيف سنتنفس إذا منعنا هذه الريح من الدخول إلينا ، وعواقب ذلك علينا ..
إن قرار منع استخدام الغاز والذي يعني منع الطبيخ لعدم وجود بديل عملي له ، والطاقة الكهربائية المتاحة في منى لا تسمح بالتحول المفاجئ لاستخدام المطابخ الكهربائية ، أقول إن هذا القرار سيفرض واقعاً جديداً ، وقد يضعنا أمام تحديات ومشاكل أخرى ، فعندما نمنع الطبخ واستخدام الغاز في منى ، هذا يعني أن نمنع الطبيخ في مدينة يزيد عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة -وهذا العدد يفوق عدد سكان العديد من الدول- ، فيهم الأطفال والنساء والمرضى والعجزة ، وفيهم من له ظروف صحية تحتاج لعناية خاصة في المأكل و المشرب ..
وكما هو معروف فإن لوجبات الطعام مواعيد تكاد تكون محددة ، و هي وجبة الإفطار صباحاً و وجبة الغداء ظهراً و وجبة العشاء مساءاً ، وبالتالي فإن إحضار الوجبات لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة من خارج منى سيخلق واقعاً جديداً و على عدة أصعدة ، مرورياً و صحياً وقد يوفر جو غير مريح نفسياً ومزاجياً لدى بعض ضيوف الرحمن .. فهذا القرار سيخلق بلا شك واقعاً مرورياً جديداً ، فنحن حتى الآن لازلنا نعاني من الاختناقات المرورية لأسباب عدة لعل أبرزها ظاهرة الافتراش الناتجة عن تقلص الطاقة الاستيعابية للإسكان في منى ، وإذا كنا الآن نحتاج في بعض الأحيان إلى عدة ساعات للوصول إلى بعض المواقع في منى ، فماذا سيكون الحال إذا أصبح لدينا مزيد من السيارات التي ستنقل هذه الوجبات المطبوخة خارج منى و في ثلاث أوقات محددة ؟؟
هذا من ناحية حركة المرور والواقع الجديد لها ، و أما من ناحية وصول الوجبات للحجاج في الوقت المناسب وفي حالة جيدة ، فإنني أشك في إمكانية وصول الوجبات لجميع الحجاج في الوقت المناسب و هم بهذه الأعداد وفي ظروف منى واكتظاظها بالبشر والمعدات والسيارات ، فقد يُصبح الفطور غداءً ، والغداء عشاءً ، والعشاء سحوراً وهكذا ..
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الأطعمة لها فترة معينة قد تفسد بعدها ، فإن هناك واقعاً صحياً قد يُفرض أيضاً وهو احتمال وقوع العديد من حالات التسمم الغذائي نتيجة لمكوث الطعام في سيارات النقل لساعات طويلة وفي أجواء ملوثة بعوادم السيارات قبل وصوله للحجاج ، و إذا تحدثنا عن سيارات خاصة بنقل الطعام تحفظه من التلف تبريداً وتسخيناً -كلاً حسب نوعه- ، فإن هذا النوع من السيارات لا تتوفر منه الأعداد الكافية لنقل طعام مدينة كاملة في وقت محدد ..
وإذا جئنا إلى راحة ضيوف الرحمن أثناء إقامتهم في منى ، فإنني أعتقد أن الجو الذي سيخلقه منع استخدام الغاز سيكون غير مريح لضيوف الرحمن ، فعدم توفر الأطعمة المطبوخة في المخيمات أو حتى لدى محلات بيع الأطعمة ، وتأخر وصولها من خارج منى ، و اختلاف مواعيد الوجبات ، وحالتها عند وصولها ، و كذلك عدم إمكانية عمل شاي أو قهوة أو حتى تسخين ماء أو حليب لاحتياجات صحية للبعض ، بلا شك سيكون من عوامل تعكير أمزجة الحجاج طوال فترة وجودهم في منى ، وهو أمر لا ترضاه قيادة هذه البلاد التي نذرت نفسها و جميع إمكانياتها لخدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم ..
فلذلك فإن الأمل معقود على إعادة النظر في مثل هذا القرار ، والبحث عن أسلوب مناسب يوازن بين مخاطر الغاز ومخاطر منع الطبيخ ، كأن تقوم شركة الغاز -على سبيل المثال- بعمل خزانات كبيرة نسبياً مدفونة تحت الأرض ومعزولة ، تُغذي أكثر من مخيم من خلال مواسير حديدية خاصة أيضاً مدفونة تحت لأرض و لا يظهر منها إلاّ أجزاء بسيطة في المطابخ ، مع استخدام تقنيات السلامة الحديثة التي تعمل آلياً على منع تسرب الغاز ، و تمنع وصوله تماماً إلى نقاط التوزيع في حال نشوب حريق لا سمح الله ..
أما أسلوب الباب اللي يجيلك من الريح .. فهو في تصوري لا يصلح في هذا المجال ومجالات أخرى درجنا تطبيقه فيها .. والله من وراء القصد ..
23/10/1418هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 24/10/1418هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 11946 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
11946 الحج و الطوافة الرأي 24/10/1418هـ الندوة رابط المقال على النت http://