حوار هاديء حول الطوافة والمطوفين

by د.فائز جمال

اطلعت على ما نُشر بصحيفة الندوة في عددها ليوم الثلاثاء 12/5/1417هـ تحت عنوان حوار هاديء حول الطوافة والمطوفين بقلم سعادة الشيخ عبدالرحمن عبدالقادر فقيه ، والذي سبق نشره في جريدة الاقتصادية في عددها الصادر بتاريخ 21/9/1996م ، وهذا مما يؤكد حرص الشيخ عبدالرحمن فقيه على إيصال فكرته لأكبر عدد ممكن ممن لهم علاقة أو اهتمام بالموضوع .

إنني في البداية أود أن أشكر لسعادة الشيخ عبدالرحمن اهتمامه في الفترة الأخيرة بالطوافة والمطوفين ، ولعل ما دفعه لذلك اطلاعه على ما وصلت إليه المهنة وبعضاً مما يعانيه أربابها ، وانعكاس ذلك على مستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، ونشكر له أيضاً حرصه على تطوير الخدمات الأخرى المقدمة لحجاج بيت الله الحرام .

وسأركز حوارنا الهاديء في هذا المقال حول نقطة واحدة وهي ما أطلق عليه الشيخ عبدالرحمن فقيه الحقوق المكتسبة ومطالبته بإلغائها ، ولكني في البداية أؤكد بأنني وإخوتي المطوفين من حيث المبدأ لا نختلف مع الشيخ في فكرة تطوير المهنة ، وبث روح التنافس ، واتاحة الفرصة للمطوف أن يطوّر نفسه وعدد حجاجه وينمي دخله من خلال تقديم أفضل الخدمات وتحقيق سمعة طيبة له أو لمجموعته ، ولكن ما دعاني لمناقشة مطالبة الشيخ بإلغاء الحقوق المكتسبة هو تركيزه عليها وتكرارها أكثر من مرة ، مما يوحي بأهمية كبرى لذلك على تطوير المهنة ، وهو مالم تصل إليه قناعتي حتى الآن .

إن ما سمي بالحقوق المكتسبة هو في الحقيقة حقوقاً أصيلة وليست مكتسبة هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فهي ليست نتيجة مرحلة المؤسسات التي بدأت منذ سبعة عشر عاماً فقط ، وإنما هي نتيجة أخيرة لأنظمة وقرارات وتعليمات صدرت من جهات الاختصاص في الدولة لتنظيم المهنة خلال مراحل مختلفة ، التقارير ثم السؤال ثم التوزيع ثم المؤسسات القائمة حتى الآن ، و التي لا نشك في أن من وضعها كان يهدف لمصحة الحاج والمطوف معاً ، ولم يدر بخلده السلبيات التي ستنتج عن التطبيق ، وإلا لما وُضعت هذه الأنظمة ولتم البحث عن البديل الأفضل .

إن مرحلتي التوزيع و المؤسسات – في تصوري – هما اللتان أفرزتا ما يسمى بالحقوق المكتسبة ، ففي مرحلة السؤال التي سبقت مرحلة التوزيع تنافس المطوفون والمطوفات وكان الجميع يعمل ويجتهد في خدمة الحجيج ، ويسعى لزيادة الأعداد التي يخدمها من حجاج بيت الله الحرام ، وأما في مرحلة التوزيع والتي جاءت للقضاء على السلبيات التي ظهرت في مرحلة السؤال فقد تم تحديد الأساس لهذه الحقوق المكتسبة ، وذلك باعتماد متوسط عدد الحجاج الذين خدمهم المطوف للثلاث سنوات الأخيرة قبل مرحلة التوزيع كأساس لما يُصرف للمطوف من المصلحة بصرف النظر عن عدد الحجاج الذين يخدمهم – سواءً زاد عن متوسطه أم نقص – ، ثم في مرحلة المؤسسات التي تم تحويل العمل فيها من النظام الفردي إلى النظام الجماعي مما اقتضى بطبيعة الحال تخفيض عدد المطوفين العاملين بشكل كبير ، وبالتالي الحيلولة دون عمل معظم المطوفين في خدمة الحجاج ، لذا أصبح من الضروري وبمقتضى العدالة معالجة هذه المشكلة باعتماد صرف مصلحة المطوفين طبقاً لمتوسطاتهم التي تم تحويلها إلى أسهم في مؤسسات الطوافة . وهو عين ما أقره ولاة الأمر حفظهم الله بعدلهم وانصافهم .

ثم إن متوسط أعداد الحجاج الذين خدمهم المطوف للثلاث سنوات الأخيرة قبل التوزيع ، والذي هو أساس هذه الحقوق المكتسبة – كما أسلفت – ، لم يكن نتاج الثلاث سنوات فقط ، وإنما كان نتاج سنوات طويلة من الجهد والكد والتعب في خدمة الحاج بدءً بزيارته في بلده ومروراً باستقباله في موانيء المملكة وحتى ترحيله قافلاً إلى بلده بالسلامة ،  وأعتقد أنه لو لم تصدر التعليمات التي أشرنا إليها لظل جميع الأكفاء من المطوفين يطوّرون أنفسهم وخدماتهم ولتزايد عدد الحجاج الذين يقومون بخدمتهم ، ولخرج المقصّرون من العمل في المهنة بقوى السوق -كما يقولون – لأنهم لن يجدوا من يُقبل عليهم من الحجاج .

أما أن يُحال دون عمل المطوف ثم يُحرم من العوائد فهو أمر يتنافى مع الحق والعدل وهو ما تنبه له بفضل الله ولاة الأمر وفقهم الله ، وتم إقرار صرف المصلحة لمن حيل دون عملهم وتميز العاملون من المطوفين  بعوائد أخرى إضافية مقابل العمل .

فلذلك نحن نقول أن هذه الحقوق أصيلة وليست مكتسبة كما يظن البعض .

إن المطالبة بإلغاء الحقوق المكتسبة هي – فيما يبدو لي – أشبه ما تكون بإحالة موظف ما إلى التقاعد المبكر دون رغبة منه وحرمانه من الحصول على كامل راتبه ، ثم بعد ذلك  المطالبة بإلغاء حقه في راتبه التقاعدي الذي يُعد نصف راتبه الأساسي لكونه لم يكد ولم يتعب . قد يقول قائل أن الموظف دفع مبلغاً شهرياً لمصلحة معاشات التقاعد إبان خدمته ، وأنا أقول أن هذا يقابل ما دفعه المطوف وآباؤه وأجداده خلال سنوات طويلة من مال وجهد وكد لخدمة أكبر عدد ممكن من الحجاج ، ولا أعتقد أن هناك من يخالفني في أن للجهد والعمل والكد أيضاً قيمة مالية .

وختاماً أتساءل لو كان الشيخ عبدالرحمن فقيه قد عانى ما عاناه المطوفون على مر السنين ثم حيل بينه وبين خدمة الحجاج بموجب أنظمة وتعليمات – تهدف للمصلحة العامة بلا شك – هل كان هذا هو رأيه ؟؟ ثم هل إلغاء هذه الحقوق ( الأصيلة ) يُعد المدخل الصحيح لتطوير المهنة ؟؟ أم بالأحرى هل أن هذه الحقوق هي سبب تردي الخدمة لذلك يجب علينا إلغاءها ؟؟ لذلك لابد لنا من التركيز على المطالبة بإلغائها .

وأخيراً لماذا لا تكون المطالبة بصرف كامل المصلحة للمطوفين – مثلاً – بدلاً من إلغاء الجزء المصروف منها ، وهذا مما أعتقد أنه مدخل مهم من مداخل الاصلاح ؟!!

والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل .

13/5/ 1417هـ                                                    فائز صالح محمد جمال

بيانات النشر

نُشر : يوم : السبت  الموافق  16/5/1417هـ

في صحبفة : الندوة رقم العدد : 11521        صفحة رقم : 3 .

التعديل : تم حذف ما تحته خط .

11521 الحج و الطوافة الرأي 16/5/1417هـ الندوة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق