إن الجمعيات الخيرية عموما تقدم خدمات جليلة لشريحة عريضة من المجتمع ، فهي تقوم على خدمة ومساعدة عشرات الآلاف من المحتاجين من الأسر والأرامل والأيتام
، وهي تحتاج بلاشك لتقوم بواجباتها إلى تظافر جهود الجميع معها ، وجمعية البر بمكة المكرمة – وهي أول جمعية للبر في المملكة تأسست عام 1373هـ – تقوم على خدمة الآلاف من هذه الشريحة في مجتمع البلد الحرام وذلك من خلال برامجها المختلفة والتي منها المساعدات النقدية ، والمساعدات العينية ، والاسكان الخيري (المجاني) ، ومساعدة الشباب الراغبين في الزواج وغيرها .. حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة من المساعدات النقدية ما يزيد على 6000ستة آلاف أسرة ومن المساعدات العينية ما يزيد على 2000 ألفين أسرة ومن السكن الخيري مايزيد على 350 ثلاثمائة وخمسين أسرة تم إسكانهم في خمس عشرة عمارة ، أنشأت الجمعية عشرة منها وخمس منها تبرع بها المحسنون للجمعية لتتولى اسكانها وادارتها ، وأما الشباب الراغبين في الزواج فتتم مساعدة ما متوسطه ثمانين شابا سنويا . ويقوم على على هذه الجمعية نخبة من المجتمع المكي الذين وهبوا جزءا ثمينا من وقتهم لخدمة هذه الفئة من المجتمع بدون مقابل مادي وإنما تقربا الى الله عز وجل وابتغاءا لمرضاته ..
وقد تعرضت جمعية البر بمكة المكرمة خلال الأسابيع الماضية لانتقاد عنيف في تحقيقين متوالين على صفحات جريدة “الندوة” الغراء ، وذلك بسبب قيام الجمعية باخلاء إحدى عمائر الاسكان الخيري الواقعة في المناطق المحيطة بالحرم الشريف بهدف تأجيرها على الحجاج ، وذلك ضمن خطة للجمعية ترمي إلى إيجاد مورد ثابت للجمعية للصرف منه على مشاريعها المختلفة ، خصوصا وأن موارد الجمعيات الخيرية عموما تعتمد على تبرعات المحسنين ، والتي ليس لها صفة الثبات مما قد يُوقِع الجمعيات في مواقف حرجة عند قيامها بأداء التزاماتها للمحتاجين . وهو اتجاه بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة وقد يكون أبرز مثال لهذا الاتجاه هو مشروع “سنابل الخير” الذي تبنته هيئة الاغاثة الاسلامية العالمية التابعة لرابطة العالم الاسلامي ، والذي اخذ شكل الوقف الخيري بحيث يتم استثمار أموال “سنابل الخير” لتدر أرباحا سنوية تُعد موردا ثابتا لتمويل مشاريع الهيئة المختلفة بدلا من انتظار التبرعات التي تزيد وتنقص حسب الظروف الاقتصادية . وقد قامت الجمعية – جمعية البر بمكة – بتوفير المسكن البديل لجميع من طلبت منهم الاخلاء وساهمت معهم في النقل باستخدام سيارات الجمعية حتى لا تكلفهم أجرة النقل . وفعلا تم انتقال سكان العمارة جميعهم وهم حوالي 39 أسرة إلا أصحاب ثلاث أو أربع شقق لم يستجيبوا لطلب الاخلاء ، ورفعوا شكواهم لمحرر بصحيفة “الندوة” والذي سارع بدوره بنشر التحقيق تلو التحقيق دون أن يكلِّف نفسه عناء الرجوع الى المسئولين في الجمعية وسؤالهم عن الموضوع حتى تتضح الصورة أمامه وبالتالي إظهار التحقيق بالشكل المحايد والذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة .
أما وأن الصحيفة قد أخذت برأي الشاكين دون المشتكى منهم فإنها بذلك تجاوزت الانصاف وكذلك العرف الصحفي الذي يجمع عادة بين آراء جميع الأطراف في أي قضية لتكون الصورة مكتملة أمام الجميع . وبذلك فقد ظهر التحقيقان متحاملان إلى حد كبير على الجمعية والعاملين فيها . مما أساء الى سمعة هذه الجمعية العريقة أيما إساءة ، وأثّر على معنويات أعضاء مجلس ادارتها والعاملين فيها الذين جعلوا أنفسهم في خدمة أولئك الشاكين وغيرهم . فلو كلف المحرر نفسه عناء الاتصال بالجمعية – وهو ليس بعناء – لاكتشف أن مصلحة الشاكين الذين قد لا يقدِّرون نتائج أفعالهم هي فيما عملته وتعمله الجمعية دائما لخدمتهم ، ولامتنع عن نشر تحقيقه لأنه لا يخدم بذلك مصلحة عامة ، ولعِلْمنا أن الصحف في الأصل لم تكن يوما لخدمة مصالح خاصة وأهواء شخصية لأفراد يريدون القفز على دور الصحافة لتحقيق حاجات في نفوسهم .
إن الجمعيات الخيرية عموما تتأثر سمعتها وبالتالي تتأثر مواردها بمثل هذه التحقيقات مما سينعكس حتما سلبيا على المستفيدين مما تقدمه من خدمات جليلة ودور فعّال في خدمة المجتمع من خلال سدها لحاجة الأسر الفقيرة والأرامل والأيتام ومساهماتها في مجالات مختلفة كمساعدة الراغبين في الزواج وغيرها ..
انني هنا لا أطالب بأن تكون للجمعيات حصانة ويجب عدم الكتابة عنها مطلقا ، وإنما ما أريده هو التحري قبل النشر عن جوانب القصور والسماع للمسئولين فيها قبل النشر ، وقد يكون من الأفضل معالجة مشاكل الجمعيات عن طريق وزارة العمل والشئون الاجتماعية بحكم الاختصاص ، لأن النشر عن قصور الجمعيات بالأسلوب الذي اتبعته “الندوة” يؤدي إلى إحجام المتبرعين عن التبرع لها وفي ذلك أضرار كبيرة على المستفيدين منها وكذلك على المجتمع عموما . والله من وراء القصد .
14/4/1416هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 16/04/1416هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 46118 صفحة رقم : 13 (الرأي) .
التعديل :
46118 مجتمع الرأي 16/04/1416هـ المدينة رابط المقال على النت http://