تكاليف الزواج ومسؤولية الرجل

by د.فائز جمال

تكاليف الزواج ومسؤولية الرجل !!

استطراداً في الحديث حول مسؤولية الرجل عن بعض السلوكيات والمظاهر الاجتماعية ، وقد كان موضوع مقال الأسبوع الماضي حول مسؤولية الرجل  – أباً وزوجاً وأخاً – عن ظاهرة تسكع الشباب والفتيات في الشوارع والأسواق ، وتخليه عن دوره في القوامة وترك الحبل على الغارب ، مما قد يؤدي إلى انفراط عقد الأسرة وتفككها ، وبالتالي والإضرار بالمجتمع الذي تُعتبر الأسرة نواته ودعامته الأولى .

سيكون حديثنا هذا الأسبوع حول مسؤولية الرجل عن مظاهر الإسراف والتبذير التي نشهدها -خصوصاً هذه الأيام التي تكثر فيها حفلات الزواج .

فلو أمعنا النظر في تلك المظاهر التي تصاحب احتفالات الزواج لدينا وفتشنا وتتبعنا لوجدنا أن للرجل دوراً هاماً وإسهاماً من حيث يدري أو لا يدري في تزايد تلك المظاهر ، وبالتالي لتمكن – أي الرجل – لو تنبه لما يجب عليه عمله من كبح جماحها والحد من المبالغات التي تقع فيها .

إن تكاليف الزواج عندنا تجاوزت حد الاسراف والتبذير المنهي عنهما شرعاً !! ففي تصوري إن الاسراف والتبذير يكون من وُجْد الشخص و من سَعته وقدرته المادية .. ولكن ما نراه الآن أن بعضنا تجاوز ذلك بكثير وذهب يستدين ما هو فوق قدرته المادية لكي يركب موجة المظاهر الكذّابة ويُساير السفهاء منا .. وبقليل من الجهد و الملاحظة سيجد كل منا أناساً ممن حوله يتكلفون في إقامة أفراحهم ما ليس ضمن مقدرتهم المادية . 

إن أحدنا لو تأمل ما يحدث في أفراحنا من المباهاة والتفاخر الذي يمارسه أثرياؤنا في أفراحهم والبدع التي يبتدعنها نساؤهم – سامحهم الله – ، ويقلدهم في ذلك بعض متوسطي الحال ، لوجد أن أقل ما يمكن وصفه به أنه سفه لايليق بالمجتمع المسلم .. فمئات الألوف بل ملايين الريالات تٌهدر في ليلة الزواج مقابل مظاهر لا تنفع صاحبها إلا شيئاً من التباهي والتفاخر ونشوة تنتابه لساعات قليلة .. ولقد تأملت فيما أنفقه أحدهم على زفاف إبنه فوجدتني أمام مبلغ كبير جداً ، وفكرت فيما يجنيه العروسان وأهلهما من هذا الإنفاق فلم أجده سوى سراب يحسبه الظمآن ماءا .. ، و لايتناسب مع عِظَم الإنفاق ، فهو لا يتجاوز كونه مظاهر اجتماعية كاذبة في معظم الأحيان . فمالذي يجنيه العروسان من إقامة حفل الزفاف في قصر الأفراح الفلاني أو القاعة الفلانية ، أو توزيع الذهب والفضة في علب حلاوة الملكة ، أو أن تكون الذبائح جاثمة على أربعتها على طاولة الطعام .. بل ماذا يجني صاحب الدعوة – أباً كان أو زوجاً – من مثل هذه التصرفات ؟!

إن ما يجنيه العروسان أو صاحب الدعوة من معظم ما يُنفق على حفل الزواج لا يزيد عن كونه سراب فهو تفاخر وتباهي وتوهم سعادة لا يلبث أن يختفي بمجرد إنتهاء الحفل ، ويبقى غضب الرب ومقته ، نسأل الله العافية والسلامة .

إن التعبير عن الفرح أمر مشروع ولكن يجب علينا مراقبة ذلك بحيث لا نصل إلى حد الاسراف والتبذير الذي سيقودنا – والعياذ بالله – إلى التآخي مع  الشيطان أو التفريط في محبة الله عز وجل القائل في محكم التنزيل {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً}27 الإسراء و{إنه لا يحب المسرفين}31 الأعراف .

وعلى الرغم من أن قدر الانفاق على حفلات الزواج لا يمكن تحديده برقم معين ، لأنه أمر نسبي يتأثر بأمور كثيرة منها القدرة المادية والمستوى المعيشي ، إلا أننا نسطيع تحديده بإطار عام ، هو تعاليم الشريعة الاسلامية ، فلا إسراف ولا تبذير – إي لا إنفاق في غير طاعة – ، والانفاق من السَعة وعدم التكلف فوق ما نستطيع ، مع البُعدٌ عن متابعة التقليعات المستحدثة في الأفراح ، والاكتفاء بما تكتمل به الوليمة المشروعة لحفلات الزفاف ويتحقق به إكرام الضيوف المدعوين .

أعود إلى موضوعنا الأساسي وهو أن تخلي الرجل عن دوره في التقويم والاصلاح ومعالجة الأمور بعقلانية ، أدى إلى بروز الكثير من المظاهر السلبية في المجتمع ، فلو أن الرجل قام بدوره المأمول في إدارة شئون أسرته ، لما رأينا بروز الاسراف والتبذير في ما نقيمه من ولائم بمختلف أنواعها كظاهرة شبه عامة ، بل لظلت مثل هذه التصرفات في حدود الحالات الشاذة ، والشاذ لا حكم له ولاخوف منه . فالملاحظ أن هناك تفريطاً واضحاً من الرجل في هذا الأمر وتركه بالكامل لأم العيال ويقتصر دوره على توفير المال والدفع فقط .

إنني عندما أطالب بأن يقوم الرجل بدوره في القوامة والرعاية وإدارة شئون الأسرة ، سواء فيما يتعلق بالإسراف في تكاليف الزواج أو بتسكع الشباب في الأسواق ، لا أعني بذلك ممارسة الرجل للدكتاتورية ، أوعودة عهد (سي السيد) ، وإنما ما أهدف إليه هو اضطلاع الرجل بالدور المطلوب منه وأداء مسؤولياته دون إفراط أو تفريط .

والله المستعان .

10/4/ 1417هـ                                                    فائز صالح محمد جمال

 

بيانات النشر

نُشر : يوم : الإثنين الموافق  12/4/1417هـ

في صحبفة : المدينة المنورة    رقم العدد : 12191       صفحة رقم : 11 (الرأي) .

التعديل : لايوجد .

 

 

12191 مجتمع الرأي 12/4/1417هـ المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق