لم يُنشر
ترشيد العرض و كبح توحش الرأسمالية
“أعلنت شركة جبل عمر للتطوير عن حصولها على موافقة هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة لزيادة المسطحات البنائية الاستثمارية للمراحل الخامسة والسادسة والسابعة من مشروعها الكائن بمكة المكرمة ليصبح اجمالي المسطحات البنائية الاستثمارية للمشروع ككل (1.665.909 م2) من أصل (1.171.287 م2) وتمثل الزيادة في المساحة (494.622 م2)”
شكّل هذا الإعلان فرحة للشركة و مساهميها و صدمة لآخرين ، فالمساحة البنائية الممنوحة للشركة كبيرة جداً و هي بالتأكيد على حساب معايير عمرانية و بيئية و اقتصادية ، و معايير متعلقة بالأمن و السلامة و بالحشود و إدارتها داخل و حول المسجد الحرام.
لقد مُنح المشروع امتياز التطوير لمنطقة جبل عمر ، و مُنح منذ البداية مساحات و ارتفاعات بما يتجاوز نظام البناء و الارتفاعات حول المسجد الحرام بحجة تحمله تكاليف تأسيس البنية التحتية في منطقة المشروع. وكنت ممن طالب حينها بتحمل الدولة تكاليف البنى التحتية و الزام المشروع بارتفاعات منخفضة للمباني المواجهة للمسجد الحرام وعدم تجاوز الحد الأقصى للارتفاعات المحددة للمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد الحرام وذلك باعتبار أن الامتياز حقق أثر اقتصادي إيجابي على سعر متر الأرض في منطقة المسجد الحرام من خلال تعويم سعر المتر بدمج ملكيات ذات أسعار منخفضة بتلك ذات الأسعار المرتفعة.
و الآن وبعد انطلاقه بسنوات يُمنح من جديد مساحات إضافية بنسبة تتجاوز 42%.
ولمثل هذه الموافقة آثار متعددة منها زيادة المعروض من مساحات الإسكان في مكة المكرمة بشكل عام وهو ما يؤدي إلى اغراق السوق العقاري في مجال إسكان الحج و العمرة ، و تراجع الجدوى الاقتصادية للاستثمار العقاري و انهيار الأسعار ، و بالخصوص في مجال إسكان المعتمرين ؛ الذي وصل لحدود العشرة ريالات كأجرة للسرير في الليلة ..
فالمعروض حالياً يتجاوز ضعف الطاقة الاستيعابية لأعداد المعتمرين المستهدفة في عام 2030 وهو 30 مليون معتمر ، فأعداد الأسرة المتاحة و المرخصة رسمياً من هيئة السياحة و لجنة مساكن الحجاج يتجاوز 2.3 مليون سرير ، و بافتراض بقاء المعتمر 10 ليالي بحد أقصى فبالإمكان استيعاب حوالي 7 مليون معتمر في الشهر و 70 مليون في عشرة أشهر.
وهذا الفائض في العرض يضر بجميع المستثمرين في العقار بدرجات تتعاظم كلما ابتعد موقع العقار عن المسجد الحرام ، وهذا الضرر يصيب الجميع و في جميع مواسم الحج و العمرة.
هذا من جهة العرض الكلي في مكة المكرمة ، و أما العرض في محيط المسجد الحرام فمنح مثل هذه المساحات الكبيرة يؤثر على اقتصاديات المشروع الممنوح ذاته و على اقتصاديات جيرانه بشكل أكبر ..
وعلى الجهات المعنية التنبه إلى أن الآثار الإيجابية المتوخاه من تنمية أعداد الحجاج و المعتمرين ضمن برنامج رؤية 2030 يجب أن تعم جميع المستثمرين و في جميع القطاعات و أن لا تركز في أيدي قلة من الأغنياء منا ، فمنح الامتيازات والمزايا من خلال مساحات بنائية و ارتفاعات إضافية للمستثمرين في المنطقة المركزية بما في ذلك الأوقاف و أملاك الدولة يُحدث تشوهات اقتصادية و تنموية تتنامى آثارها السلبية ومخاطرها بمرور الوقت ..
كان أهالي مكة كلهم يستفيدون من قدوم الحجاج و المعتمرين ، و في مجال السكن كانوا يؤجرون بيوتهم التي يسكنون فيها للحجاج و ينتقلون للسكن فترة وجود الحجاج لما كان يسمى (الطيرمه) وهو مكان في أعلى البيت ، و ظل هذا الوضع قائم في البيوت الباقية جوار المسجد الحرام إلى أن أتت عليها هدميات تجاوزت حاجة توسعة الملك عبد الله قبل عدة سنوات ؛ أما الآن فأصبحت هذه الفائدة متركزة في أيدي كبار المستثمرين من مكة و من خارج مكة و بعضهم من خارج المملكة.
ومسئولية الدولة و الجهات التي تمثلها و واجبها جلب النفع و دفع الضرر عن جميع رعاياها و مستثمريها ، و مراعاة تحقيق توازن التنمية و توسيع دائرة الفرص لتشمل الجميع و أن لا تكون من حيث لا تشعر هذه الجهات في جانب كبار المستثمرين على حساب الأصغر منهم..
إن الرأسمالية متوحشة بطبعها و تحتاج إلى كوابح لمنع ضررها بالطبقات المتوسطة و الفقيرة ، و هذه الكوابح في يد الجهات الحكومية وتتمثل في نظم و قوانين تراعي تحقيق المصالح العامة و ترعى المصالح الخاصة بتوازن. و لذلك أخطر ما نعيشه الآن هو ما يظهر بين فترة و أخرى من تحالف بين بعض الجهات الحكومية و بعض مؤسسات القطاع الخاص تحت عناوين الخصخصة و التعاون بين القطاعين الحكومي و الخاص في إنجاز بعض المشاريع ، و مكمن الخطورة هو في ضعف الكوابح و الأنظمة التي تراعي المصالح العامة ..
د. فائز صالح جمال
04/07/1438هـ
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
|
الإثنين |
04/07/1438 |
01/04/2017 |
الموقع الشخصي |
– |
– |
التعديل : حذف ما تحته خط |
|||||
|
|||||
مقالات لم تُنشر 04/07/1438 الموقع الشخصي رابط المقال على النت http://