الفضائيات العربية بين الواقع والمأمول

by د.فائز جمال

لا أريد أن أسهب أو أكرر الكلام حول مخاطر (الدش) على جميع فئات المجتمع وبالأخص النشء مراهقين مراهقات وشبان وشابات ، فقد تناول هذا الجانب عدد من الكتاب الأفاضل بدافع الغيرة على هذا المجتمع المتماسك و المتمسك بأهداب الفضيلة ، ودفعا للشرور التي تُبث في الفضاء على مدى الساعة ..

ولكني هنا أود أن أتساءل عن القنوات الفضائية العربية وعن أهدافها .. وهل وجدت من أجل  أن تكون البديل القوي للقنوات الغربية التي تبث سمومها وأفكارها الهدامة ليلا نهارا لتنخر في جسد الأمة ؟؟ أم وجدت لتجاري تلك القنوات ولو بشكل جزئي وتساهم بشكل أو بآخر لتعريب ذلك التغريب – ان صح التعبير – ؟؟

ان المتتبع لقنواتنا الفضائية ويراقب ذلك التقليد الذي تمارسه في أدائها للقنوات الغربية – القذة بالقذة – يمتليء غيظا وكمدا وحزنا . فأنت تجد ابتداءا أن اختيار اسماء الشهرة لتلك القنوات ينهج نفس النهج الغربي ، فتجد أن أسماء قنواتنا الفضائية مكونه من أحرف انجليزية مقلدين بذلك القنوات الغربية أمثال ال CNN   و BBC وغيرهما وكأن اللغة العربية قد عجزت عن اعطائهم أسماء تحقق لهم ما ينشدونه من سهولة واختصار ، ويحضرني في هذا المقام التجربة الرائدة لشركات الصناعات البتروكيماوية في الجبيل وينبع في اختيارها لأسماء علماء المسلمين لتكون اسم الشهرة أو الاسم المختصر للشركات كابن حيان وابن سينا وابن زهر وغيرهم من الأسماء العربية وذلك على الرغم من وجود شركاء أجانب غربيين في تلك الشركات . وجانب آخر يتجلى فيه التقليد  عند تقديم نشرات الأخبار حيث تجد أن المذيع والمذيعة يتبادلون النظرات والتحيات عند نهاية وبداية الفقرات الاخبارية التي يقرأونها بنفس الطريقة التي يمارسها نظراؤهم في القنوات الغربية .. وأنت ترى كيف يقلّد مخرجي الأغنية العربية في تلك القنوات فيما يسمى بـ (الفديوكليب) أشباههم في القنوات الغربية .. فقد أصبح الترفيه الغنائي في قنواتنا الفضائية يحاكي النموذج الغربي المقيت ويتجاوز الفن والطرب الى تحريك الغرائز واثارتها بشكل غير مقبول وينذر بشر مستطير .. وقد أعجبت برأي صدر عن الفنان محمد عبده اعتبرته شهادة شاهد من أهلها وهو ينتقد أغنية (الفديوكليب) في تركيزها على تحريك الغريزة .. واصفا العارضة التى تظهر أثناء الأغنية في بالأفعى وهي تتمايل في حركات راقصة مائعة وانتقد كذلك المغنيين الذين أصبحوا يتبارون في اختيار العارضة الأكثر جمالا وفتونا لتكون معهم في الأغنية ..

انني ركزت على جوانب التقليد في اختيار الأسماء و نشرات الأخبار والأغاني كنماذج للتقليد الأكثر وضوحا ولأن اهتمام طلاب (الدش) قد يتركز على جانبي الأخبار و الترفيه الغنائي ، وأما التقليد فهو يمتد الى جوانب كثيرة ومتعددة وأضرارها قد تكون أكثر وأكبر ..

وانني في هذا الموقف أناشد القائمين على القنوات الفضائية العربية وخصوصا السعوديين منهم بأن لاتكون قنواتهم أداة لتعريب الفكر الغربي  وبذلك يسهل استيعاب أفراد مجتمعنا له – خصوصا الناشئة – وبالتالي تقبلهم لسلوكيات وممارسات يأباها الدين والأخلاق الفاضلة وشيم الرجال .. وأن لا تساهم  قنواتهم في انجاح عملية الغزو الفكري الموجه الينا من الأمم الغربية من حيث لا يشعرون ، وأما قضية تعليم وتطوير المجتمع وانفتاحه على ثقافات العالم الآخر يجب أن لا تكون مبررا للقبول بما يتعارض مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا ..

ان ما نريده من قنواتنا الفضائية أن تؤكد على هويتنا العربية والاسلامية وأن تكرس كل ما هو جميل في عاداتنا وتقاليدنا وعلاقاتنا الاجتماعية ، هذه العلاقات التي بات يحسدنا عليها الآخرون .. أما التقليد فلا وألف لا للتقليد ..

وفي هذا المقام أود أن أذكر القائمين على قنواتنا الفضائية و في ظل ما يمتلكونه من امكانيات في مجال الاعلام وهو من أخطر الوسائل وأكثرها تأثيرا في المجتمع  بمسئولياتهم الجسيمة التي يضطلعون بها أمام الله أولا وقبل كل شيء ثم أمام مجتمعاتهم التي لا تستحق منهم الا كل ما يصلحها ويدفع بها الى مقدمة الأمم .

وكذلك نناشد معالي وزير الاعلام الاستاذ فؤاد عبدالسلام فارسي وقد تقلد منصبه الجديد أن يجعل في أعلى سلم الأولويات الاسراع في بدء ارسال القناة الفضائية الاسلامية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين ، وتطوير قناتي التلفزيون السعودي لتستطيع استقطاب المشاهدين الذين تحولوا عنها الى القنوات الفضائية ممن ينشدون متابعة الأحداث حول العالم حال حدوثها من خلال نشرات الأخبار وينشدون الترفيه المقبول و ويرغبون في توسيع مداركهم وآفاقهم العلمية والثقافية  المعرفية من خلال البرامج العلمية والمسابقات الثقافية والندوات المتخصصة واللقاءات مع متخصصين لمناقشة وتحليل موضوعات ومشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها  ، وذلك حتى تكون القنوات السعودية نموذجا عربيا واسلاميا يحتذى  ..  والله ولي التوفيق .

23/3/1416هـ                                                   فائز صالح محمد جمال

بيانات النشر

نُشر : يوم : الإثنين الموافق  25/03/1416هـ

في صحبفة : المدينة المنورة     رقم العدد : 11825        صفحة رقم : 13 (الرأي) .

التعديل :

11825 تنمية الأخلاق الرأي 25/03/1416هـ المدينة رابط المقال على النت http://

قد يعجبك أيضاً

اترك تعليق