العلاج بالتسكين .. ومواجهة الكوارث !!
لا يختلف اثنان على أن العلاج بالتسكين – إن صح التعبير – لا يُعد علاجاً ناجعاً للأمراض ، والسبب أن المسكنات تتعامل مع أحد أعراض المرض وهو الألم لتخفيفه ، وأما المرض الأساسي فسيظل كما هو و يتفاقم وتتعدد آثاره السلبية مالم يؤخذ له العلاج المناسب بجوار المسكِّن ، ومن أسف فإن الملاحظ أننا أصبحنا نميل في علاجنا لكثير من مشاكلنا الاجتماعية إلى جانب العلاج بالمسكنات ،
فتختفي بعض الأعراض الظاهرة ونبدوا في وضع أفضل ، في حين أن المشكلة الأصلية مازالت تتفاقم دون أن نشعر . والحديث هنا يجرنا إلى ما قبل استخدام المسكنات .. إلى بداية ظهور المشاكل ، فالملاحظ أيضاً أننا نرتكب خطأً آخر لايقل سلبية عن سابقه ولا يقل عنه خطورة ، ألا وهو تأجيل مواجهة المشكلة من بدايتها وتركها تكبر وتترعرع ، ولا يأتي تحركنا للمواجهة والمعالجة إلا عندما نشعر بأن وقوع الكارثة أصبح وشيكاً أو كما يقولون في الوقت بدل الضائع .
سقت هذه المقدمة كمدخل للحديث حول ما نشاهده ونسمعه من الطريقة التي يتم بها معالجة الكثير من المشاكل والتحديات التي تواجه مجتمعنا ، وأنا هنا عندما أتحدث هنا عن هذا الموضوع الشامل فإنما أعبر عن وجهة نظر خاصة ولا أهدف إلى النقد لذاته وإنما النقد للاصلاح والتغيير للأفضل ، وعندما أذكر بعض الأمثلة لا أعنيها بذاتها أيضاً وإنما أذكرها للاستشهاد بها والايضاح لوجهة النظر .
فعلى سبيل المثال والاستشهاد فإن مشكلة التكدس بمقر الطالبات بجامعة أم القرى ليست وليدة اللحظة ، وليست من المشاكل التي تظهر فجأة ولا يمكن التحسب لها ، بل هي مشكلة بدأت منذ سنوات ولم تُعالج بالشكل الصحيح وتُركت تتفاقم إلى أن أصبح بقاء الوضع كما هو عليه مع تزايد أعداد الطالبات ينذر بخطر على حياة الطالبات ، خصوصاً في وقوع حوادث لاقدّر الله ، والآن وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين وفقه الله بقصر الضيافة المجاور لمقر الطالبات للجامعة ، فإننا نتمنى أن لا تكون الاستفادة من هذا التبرع الكريم في معالجة المشكلة بطريقة التسكين ، وأن يكون هناك دراسة وافية للموقع وكيفية ربطه بالمقر الحالي وبالشوارع المحيطة ومن ثم وضع مخططات حديثة تستوعب أعداد الطالبات المتزايدة عاماُ بعد عام ، حتى وان نُفذ المشروع خلال عدة سنوات مالية ، فقد نُشر في الصحف خبر حول انتقال جزء من الطالبات إلى القصر خلال الاسابيع الماضية ، بعد أن تمت تهيئته للدراسة . ولم يتم الاشارة إلى الكيفية التي سيتم بها استغلال هذا الموقع المتميز على المدى البعيد ، فكما هو معروف أن تصاميم القصور بشكل عام لا تخدم الأغراض التعليمية خصوصاً في مستوى التعليم الجامعي ، هذا بالاضافة إلى أن القصر يقع بجوار جسر الزاهر وهو وجميع الحدائق المحيطة به تعتبر مكشوفة للمارين من فوق الجسر وهو ما لايتناسب مع كون المقر للطالبات ، والموقع – بالمناسبة – ممتاز جداً من حيث توسطه أحياء مكة المكرمة ذات الكثافة السكانية العالية ، ومن حيث المساحة الكبيرة وقربه من المقر القديم ، بحيث يمكن الربط بينهما بجسر خاص مما يجعل المقر يفي باحتياجات الجامعة لسنوات طويلة قادمة .
وأنا عندما أتحدث عن مقر طالبات جامعة أم القرى لا يفوتني أن أشيد بمعالي مديرها الدكتور سهيل قاضي ، لجهوده البارزة في النهوض بالجامعة ومن ضمنها جهوده فيما يتعلق بمقر الطالبات ، وأبشره بأنني وغيري سمعنا ثناءً عاطراً على أدائه وجهوده المختلفة ، ونتمنى له مزيد التوفيق والسداد في عمله لتتبوء جامعة أم القرى فيي عهده مكان الصدارة بين شقيقاتها جامعات المملكة ، كيف لا وهي في جوار بيت الله الحرام مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية الخاتمة ، وهي كذلك تضم أول كلية تأسست في المملكة العربية السعودية وهي كلية الشريعة .
وفي مجال العلاج بالتسكين يحضرني أيضاً مثال آخر ، وهو سعودة الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص ، فمشكلة عدم توفر فرص عمل للشباب السعودي ليست أيضاً وليدة اللحظة بل هي مشكلة متدرجة وتزايدت عبر السنوات الماضية ، وفي تصوري أننا تعاملنا مع هذه القضية الهامة ومازلنا بمفهوم المسكنات ، فهل ياترى أن الاجراءات المتخذة الآن ستحل المشكلة وتنتزعها من جذورها ؟؟ وهل سعودة الوظائف في القطاع الخاص تتم من خلال قرارات فرض السعودة أم من خلال استراتيجية طويلة الأمد ؟! ثم ألم يكن من الأجدى لنا مواجهة المشكلة بجدية منذ ظهور بوادرها منذ سنوات طويلة ؟؟
أيضاً مشكلة تكدس أعداد الطلبة والطالبات في المدارس وتزايدها بشكل مستمر ، فالملاحظ الآن هو التوجه إلى دمج بعض مدارس البنات لمعالجة هذه المشكلة ، وهو علاج لا يخرج عن مفهوم التسكين ، وما يتم بناؤه من مدارس لا يتناسب مع الزيادة المطردة في أعداد الطلبة والطالبات ، وستتفاقم المشكلة بشكل سريع مالم توضع الحلول الجذرية ، وسينعكس ذلك سلباً بلاشك على مستوى التعليم بشكل عام ، وهو أمرٌ جد خطير .
إن حديثي حول العلاج بالمسكنات ليس نقداً لأحد بعينه أو جهة بذاتها ، وإنما قد يشمل معظم افراد المجتمع ، فكثير منا من يُعالج مشاكله الخاصة بهذه الطريقة ، وأحياناً نترك المشاكل حتى تتفاقم حتى تقع الكارثة .
ولا أدري هل سننجح في تغيير هذا الوضع ، أم سنظل رواد العلاج بالتسكين ومواجهة الكوارث ؟!!
7/6/ 1417هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 9/6/1417هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 12247 صفحة رقم : 9 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12247 التعليم و الجامعات الرأي 9/6/1417هـ المدينة رابط المقال على النت http://