الشعور بالوحدة و بقايا من دعوى الجاهلية
نعيش هذه الأيام فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية ، و الذي يهدف ضمن ما يهدف إلى غرس و تعزيز الشعور بالوحدة في نفوس مواطني هذه البلاد العزيزة من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها ، و لذلك فلعله من المناسب الحديث عما يمثل ألد أعداء الوحدة ، و ترسيخ الشعور بها ، وما يدعو للفرقة ، ألا و هي القبلية و دعوى الجاهلية ، والتنبيه إلى مخاطرها على أي مجتمع وترابطه و تماسكه في وجه المتربصين به ..
إن من أعظم الأدواء التي تقتل أو قل تُضعف في الانسان شعوره بالوحدة في وطنه الكبير هو التنادي بالقبلية و دعوى الجاهلية ، فلقد حكى لي شقيقي في مرة عن حالة وإن كانت فردية إلاّ أنها تنذر بخطر كبير وهو أنه أثناء مشاجرة بين بعض الشباب أبدى أحدهم بأنه قبيلي مهدداً خصمه ومتعالياً عليه ، ولا أدري ما معنى قبيلي ؟ و ماهي الرفعة في ذلك ؟ فكل الناس هم في الأصل قبائل ، إذ يقول الله عز وجل مخاطباً جميع الناس “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير”.
و كثيراً ما نلحظ من بعض الناشئة –وأحياناً غيرهم- تعالياً و نظرة غير لائقة لإخواننا الوافدين ، ومثل هذه الممارسات تصدر في بعض الأحيان حتى ممن عليهم سيماء التدين و الالتزام ، و هذا ينبيء عن خلل ما أدى إلى مخالفتنا لتعاليم الدين الاسلامي الحنيف الذي يؤكد أن لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى ..
و من جهة أخرى و هو ما سنتحدث عنه في مقال هذا الأسبوع ، ويأتي في سياق التعصب و هو ما نلحظه من تصرفات لبعض المسئولين في بعض الجهات ، حيث نجد مبادرة أحدهم حال توليه لمنصب قيادي في تلك الجهة إلى تعيين المحيطين به من القبيلة أو المنطقة التي ينتمي إليها بل وحتى من الأقارب و العائلة ، ضارباً بكل معايير الكفاءة والجدارة عرض الحائط ..
و لقد سبقني إلى الكتابة حول هذا الموضوع الشيخ عبيد الله محمد أمين كردي يرحمه الله رحمة الأبرار وذلك قبل وفاته بوقت قصير ، وذلك في مقال شامل بصحيفة البلاد بتاريخ 13/8/1420هـ تحت عنوان (نفح التطيُّب لا نتن التعصُّب) ، وفّى فيه الموضوع حقه ، وكان مما جاء في مقاله رحمه الله : “أنه من المؤسف جداً أن يذهب الواحد منا إلى دائرة من الدوائر أو مؤسسة من المؤسسات فيجد غالبية موظفيها من فئة معينة ، ويحس أنه هناك تواصاً و تواطأً بأن يكون ذلك ، وخاصة حين يلمس أن المرفق لا يتطلب فئة معينة من الناس ، بل هو مكان يجب أن يتحقق فيه مبدأ تكافؤ الفرص لكل صاحب كفاءة ..” انتهى كلامه رحمه الله .
لقد نبّه جزاه الله خيراً إلى أمر جد مهم ، له أثره في إشاعة نتن الجاهلية و التعصب بين أفراد المجتمع ، فمثل هذا الواقع في بعض الدوائر لا شك بأن فيه قدوة وأسوة غير حسنة لبقية أفراد المجتمع ، و هو نوع من التطبيع للتعصب و للعنصرية و دعوى الجاهلية ومجاهرة بها .. ولا يخفى عن الناظر إلى بعض الجهات مثل هذا الواقع ..
و لذلك لابد لنا من التنبه في سياق ترسيخ الشعور بالوحدة في نفوس جميع المواطنين إلى مثل هذه الممارسات و منعها و القضاء عليها ، إذ لا يكفي أن نردد الأناشيد والخطب التي تدعو إلى ترسيخ الشعور بالوحدة ، و إنما يجب علينا جميعاً أن نمارس ذلك في الواقع ، فلا تكون القبيلة أو العائلة أو المنطقة أو الإقليم الذي ينتمي له الفرد معياراً للكفاءة عند تعين شخص في منصب ما أو وظيفة ما .. وإنما المعيار هو الجدارة و التأهيل و الخبرة ، وهذا مما يعطى الشعور الحقيقي بالمساواة ويعزز الشعور بالوحدة على تراب هذا الوطن العزيز ..
والله من وراء القصد ..
28/10/1420هـ فائز صالح محمد جمال فاكس 5422611-02E-mail: fayezjamal@yahoo.com
بيانات النشر
نُشر : يوم : الاثنين الموافق 1/11/1420هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12549 صفحة رقم : 7 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12549 تنمية الأخلاق الرأي 1/11/1420 الندوة رابط المقال على النت http://