نواصل في هذا الأسبوع ما بدأناه حول سعودة القطاع الخاص ، هذه القضية المعقدة وذات المحاور المتعددة ، والتي تحتاج إلى مشاركة جميع المهتمين في بلورتها ومن ثم وضع الحلول المناسبة ..
وقد كنت في مقال الأسبوع المنصرم تعرضت لبعض المساهمات التي أنحت باللائمة على القطاع الخاص واتهمته بالأنانية وعدم المواطنة ، وطالبت بتدخل الدولة بشكل مباشر وتحديد حد أدنى للرواتب و تحقيق الأمن الوظيفي في القطاع الخاص .
وأود في هذا الأسبوع أن أتعرض لهذين المحورين الحد الأدنى للرواتب والأمن الوظيفي على اعتبار أنهما من العوامل المؤثرة في قضية السعودة وأقول :
أولا : تحديد حد أدنى للرواتب
والمقصود به – حسب فهمي – هو رفع الرواتب المحددة طبقا لقانون العرض والطلب – وهو قانون يرقى لأن يكون سنة من سنن الحياة – لتصبح مناسبة للشاب السعودي و تراعي ظروفه خصوصا في بداية حياته العملية وهو مقبل على تكوين أسرة . وهذا الكلام على ما فيه من صورة مشرقة لتكافل المجتمع إلا أنه لا ينسجم مع قوى السوق خصوصا في سوق مفتوحة تستظل بمظلة الإقتصاد الحر ، فالمنافسة الأجنبية لا ترحم وأي ارتفاع في تكاليف الإنتاج سوف يؤثر على سعر السلعة وبالتالي يجعلها في موقع تنافسي صعب وقد تُطرد من السوق نهائيا . والحماية من المنافسة الأجنبية قد تعني إقفال السوق في وجه المنتجات الأجنبية وهو أمر غير محمود ولن يخدم الصناعة المحلية بل قد يؤدي إلى تراجعها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الأهم هو أن الهدف من الصناعات الوطنية ليس الإكتفاء الذاتي فحسب بل التصدير إلى الأسواق الخارجية ، ومخالفة قانون العرض والطلب وفرض رواتب مرتفعة على القطاع الخاص قد يؤدي الى تراجع صادراتنا الى الخارج بسبب عدم القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية وهو في تصوري الهدف الأعلى للصناعات الوطنية فالصادرات هي مفتاح القوة الإقتصادية لأي دولة ، ولعل اليابان وفائض ميزانها التجاري مع أمريكا تُعد مثال واضح لذلك .
ثانيا : الأمن الوظيفي
أما هذا المطلب فلم أصل إلى تفسير له حتى الآن ، فما هو الأمن الوظيفي المطلوب إذا كانت لجان وزارة العمل والشئون الإجتماعية تقف غالبا إلى جانب الموظف السعودي ، وتعيده في حالات كثيرة إلى عمله وبالقوة الجبرية إذا ثبت أنه تعرض إلى فصل تعسفي من قبل صاحب العمل .. فهل المقصود بالأمن الوظيفي هو احتفاظ الموظف السعودي بالوظيفة حتى وإن اقتضت ظروف السوق والعمل غير ذلك ؟ أو أن تكون الوظيفة محصنة ضد الفصل ، أو أن يكون عقد العمل مدى الحياة ؟ أم ماذا ؟؟
إن قضية الأمن الوظيفي في الدرجة الأولى – حسب وجهة نظري – هي بيد الموظف السعودي نفسه ، لأنني أعتقد جازما بأن رجال الأعمال سوف لن يفرِّطوا في الشاب السعودي إذا أثبت كفاءة وانتاجية عالية وذلك لسبب بسيط هو أنهم يحسبونها بالورقة والقلم – كما قال أحدهم – ولاشك في أن توظيف السعودي الكفء والمنتج هو في مصلحة رجال الأعمال و الإقتصاد الوطني مائة في المائة ، لأنه سيعيد إنفاق معظم دخله في داخل السوق المحلي .
أما المطالبة براتب أعلى مع انتاجية أقل ووظيفة مضمونة فهو أمر تصوغه العواطف ولا يحقق مصلحة الوطن قبل مصلحة القطاع الخاص ، لأن أمر كهذا سوف لن يخلق مناخا يدفع الشباب لتحسين اختيارهم للتأهيل المطلوب وتطوير قدراتهم وانتاجيتهم للمنافسة في سوق العمل ، فالمنافسة هي التي تخلق الكفاءات وتحسن الأداء وهذا ينطبق على الأفراد كما ينطبق على المنشآت التجارية والصناعية ، وغياب المنافسة يخلق التواكل والتكاسل .
وأعتقد أن من أفضل الإقتراحات في شأن سعودة القطاع الخاص هو ما ذكره الأستاذ فهد الراجحي في معرض حديثه في برنامج دعوة للحوار الذي بثته القناة الأولى ليلة السبت الماضية ، وهو وضع حوافز للسعودة في شكل إعانات تصدير للمصانع الوطنية التي تحقق نسب عالية من السعودة وإعطاء أولوية في المناقصات للمنشآت التي ليس لديها سلع للتصدير كالمقاولات مثلا ، وذلك ليس إلا لتغطية جزء من التكاليف الإضافية المترتبة على رفع الرواتب لتناسب السعوديين وهذا بهدف الإبقاء على قدرات تلك المنشآت التنافسية وبالتالي بقاءها في السوق .
و إن كان في العمر بقية فللحديث بقية نعود إليها في المستقبل من الأيام إنشاء الله .
27/5/1416هـ فائز صالح محمد جمال
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 28/05/1416هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 11888 صفحة رقم : 13 (الرأي) .
التعديل :
11888 عمل و توظيف الرأي 28/05/1416هـ المدينة رابط المقال على النت http://