الخيام المقاومة للحريق .. هل هي البديل الأمثل ؟!
الخيام المقاومة للحريق التي أُعلن عن بدء تنفيذ مشروعها بما يعادل 25% من مساحة منى هذا العام ، وذلك على إثر حادث حريق العام الماضي الذي أتى على ما يزيد عن 70 ألف خيمة بمحتوياتها ، وخلف المئات من الضحايا والمصابين والخسائر المادية الجسيمة .. هل تُعتبر هي البديل الأمثل لإسكان الحجاج في منى ؟؟ وهل عالجت جميع سلبيات و مشاكل الإسكان وزادت من الطاقة الاستيعابية المتناقصة في منى عاماً بعد عام نتيجة لهدميات المنازل المتعددة الأدوار ؟؟
لاشك أن مشروع الخيام المقاومة للحريق الجاري تنفيذه ، سيجعل الإقامة في الخيام أفضل بكثير من الخيام السابقة ، وذلك ليس لكونها مقاومة للحريق وتوافرها على وسائل السلامة فقط ، و إنما للطريقة التي تم بها تخطيط المخيمات و تنفيذها و المواد المستخدمة في التنفيذ ، و اشتمالها على الخدمات الأخرى بطريقة منظمة ، كالكهرباء و التكييف و الماء ودورات المياه وغيرها ، وإن كانت هذه الخدمات متوفرة في المخيمات التقليدية ، إلاّ أنها لم تكن بنفس المستوى لعدة اعتبارات ، لعل أهمها التكلفة العالية جداً التي لا تتناسب مع ما يدفعه الحاج مقابل السكن أيام منى ، والتي لا تقدر عليها إلاّ الدولة -رعاها الله- ..
ولكن .. هل الخيام المقاومة للحريق ستقضي مثلاً على أم المشاكل في منى ، وهي مشكلة الافتراش ؟؟
بالطبع لا .. فالخيام كبديل إسكان يظل بديل قاصر ولا يمكنه مواكبة الزيادة المطردة في أعداد الحجاج عاماً بعد عام ، لأن الخيام غير قابلة لتعدد الأدوار ، وهذا يجعل مساحة الإسكان -والمحدودة بمساحة منى شرعاً- ثابتة في حين أن عدد السكان في تزايد مستمر ، وهذه الزيادة في أعداد السكان وثبات مساحات الإسكان ، سيعزز استمرار أم المشاكل -الافتراش- واستشراءها ، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن المساحة المخصصة للحاج مع مرور الزمن هي أيضاً في تزايد ، و مما يؤكد ذلك أن المساحة المخصصة للحاج في الإسكان في المنطقة المركزية في المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- زادت هذا العام من 2.5م مربع إلى 4 م مربع ، فالغرفة التي مساحتها 20م مربع كان يُسمح بإسكان ثمانية أشخاص فيها ، هي نفسها الآن لا يُسمح بإسكان أكثر من خمسة أشخاص فيها ، و هذا يعني تقلص طاقة الإسكان بما يقارب أربعون في المائة ..
و ظاهرة افتراش الحجاج لشوارع وطرقات منى ، وعلى الأخص منطقة الجمرات ، أدت إلى إعاقة شاملة لجميع الخدمات ، النقل ، و النظافة ، و الإسعاف ، و الدفاع المدني ، وغيرها هذا ناهيك عن الضيق الذي يسببه الافتراش للمشاة القاصدين منطقة الجمرات لأداء شعيرة الرجم ..
و القضاء على الافتراش -فيما أتصور- ليس له حل إلاّ بأمرين أولها : زيادة طاقة الإسكان المريح في منى ، وثانيهما : اتخاذ وسائل لتيسير الوصول إلى منطقة الجمرات من جميع أنحاء منى و الانصراف منها ، لأن في ذلك ما يحفز المفترشين في عمومهم إلى استخدام المساكن في جميع أنحاء وأطراف منى عوضاً عن افتراش الشوارع ، وأما من احترف الافتراش فيمكن اتخاذ و سائل مشابهة لما تم استخدامه أعلى وتحت جسر الجمرات لمنعهم من افتراش الشوارع و الطرقات .. و الخيام عموماً لا تحقق هذا الأمر .
ثم تساؤل آخر وهو .. هل هذه الخيام المقاومة للحريق سيتم فكها وإعادة نصبها سنوياً أم ستظل هياكلها قائمة طول العام ؟؟
فإذا كانت الإجابة بأنه سيتم فكها وإعادة تركيبها في كل عام ، فسيكون ذلك مكلفاً جداً ، فتكلفة بناء هذه الخيام -وليس نصبها- مرتفعة جداً حسبما جاء في الصحف وهي تسعمائة وستون ريالاً للمتر المريع ، وهي تكلفة تقرب كثيراً من تكلفة البناء المسلح ، وهو أمر لا يُتصور ..
وأما إن كان الإجابة بأنها ستظل منصوبة طوال العام وهو الأرجح ، فيأتي التساؤل الآخر والأهم وهو : ما هو الفرق إذاً بينها وبين البناء المسلح ؟؟ فهي بذلك أشبه ما تكون بالبناء الحديدي (steel structure) ، وهو أسلوب بناء يستخدم في البنايات الشاهقة عوضاً عن الإسمنت المسلح .. وهنا انتفت حجة عدم البناء في منى لتكون مناخ لمن سبق ..
فهل نطمع في إعادة النظر في بديل الخيام لإسكان الحجاج في منى ، والتحول إلى بديل البناء بدءً من السفوح ، و هو أمر سيحقق العديد من الفوائد التي قد نعود إليها في مقال قادم ؟؟!
أرجو ذلك .. والله من وراء القصد وهو الملهم الجميع الصواب ..
1/11/1418هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق : 2/11/1418هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 11952 صفحة رقم : 5 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
11952 الحج و الطوافة الرأي 2/11/1418هـ الندوة رابط المقال على النت http://