الحج و العمرة و تنويع مصادر الدخل
تعالت أصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بتنويع مصادر الدخل.. وهذا التنويع مطلب قديم متجدد في أدبيات الاقتصاد الوطني لم يتجاوز خلال العقود الماضية منطقة التنظير و الكلام دون تطبيق أو تحقيق على أرض الواقع .. و أعني بالتحديد مصادر الدخل الوطني و ليس دخل الحكومة فقط.
فالحكومات تسعى إلى تنويع مصادر دخلها من خلال ثرواتها الطبيعية و الرسوم و الضرائب و تنميتها. و تنويع مصادر دخل الحكومة و تنميتها يرتكزان كذلك على تنويع و تنمية مصادر دخل الاقتصاد الوطني ككل من خلال ما تحصل عليه من رسوم و ضرائب مما تحققه منشآت قطاع الأعمال.
و هناك حديث متنامٍ حول العناية بالحج و العمرة في سياق تنويع مصادر الدخل و تعويض انخفاض أسعار البترول .. و هنا لابد من التأكيد على أن الحج و العمرة ليسا مصدراً جديداً للدخل كما قد يظن البعض ، فهما مصدر قديم متجدد و دائم لدخل اقتصادنا الوطني ، بل و لعلهما من أهم مصادر الدخل ، إذا يقدر البعض هذا الدخل بما يقارب المائة مليار ريال سنوياً ؛ و عليه فالحديث اليوم لابد أن ينصب على كيفية تنمية دخلهما أفقياً و رأسياً. أفقياً بزيادة أعداد الحجاج و المعتمرين و رأسياً بتنويع و زيادة ما يُقدم لهم من سلع و خدمات.
و لدينا مصادر دخل أخرى معطلة لأسباب عدة ، منها أسباب إدارية و تنظيمية و أخرى متعلقة بتضخم الحس الأمني ..
فلدينا مصدر الصناعة عموماً و الصناعات المتوسطة و الصغيرة على وجه الخصوص ، فقد خفت وهج العناية و الدعم الحكومي للصناعات الوطنية منذ مدة و لم تعد تحظى بما تستحقه من عناية كأحد مصادر الدخل الوطني الهامة .. بل العكس هو الصحيح فقد تعرضت الصناعة لضغوط هائلة جراء برامج السعودة المرتجلة و من رفع كلفة العمالة و إلغاء دعم الكهرباء عن بعضها ..
و إذا انتقلنا لمصدر هام آخر من مصادر الدخل وهو السياحة سنجد أنها بشكل عام لا زالت تراوح عند حدود السياحة الداخلية التي لا تضيف للإقتصاد الوطني شيئاً من خارجه ، و أن البيروقراطية و تضخم الحس الأمني وقفا عقبة كأداء أمام حركة السياحة من الخارج ، و لم ننجح حتى الآن في إزاحة هذه المعوقات برغم مثول تجارب رائدة في مجال السياحة كتجربة دبي التي ذللت كل المعوقات أمام السياحة فأضحت أيقونة عالمية في مجال السياحة ..
وعندما أتحدث عن السياحة فإنني لا أقصر ذلك على سياحة الترفيه و إنما أعني بذلك أنواع أخرى من السياحة مثل سياحة الآثار و سياحة المؤتمرات و سياحة المعارض وسياحة التدريب و سياحة العلاج .. إلى آخره .. و كل مقومات هذه الأنواع من السياحة متوافرة لدينا و فرص النجاح فيها واعدة ..
لدينا كذلك مجال خدمات المناطق الحرة و إعادة التصدير التي لم تحظ بما تستحقه برغم ما تملكه المملكة من موقع جغرافي استراتيجي يتوسط دول الشرق و الغرب و الشمال و الجنواب ن و سواحل ممتدة على البحر الأحمر و الخليج العربي .. و للتدليل على ذلك نجد أن طاقة أكبر موانيء المملكة و هو ميناء جدة الإسلامي حوالي ستة ملايين حاوية بينما ميناء جبل علي في دبي تجاوز الأربعين مليون حاوية. في حين أن موقع ميناء جدة أميز بكثير من موقع ميناء دبي على طريق التجارة العالمية.
ولدينا كذلك مصدر دخل من انتاج و بيع الطاقة الكهربائية ، و هو ما أوصى به مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق في إحدى المناسبات و في حضرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يرحمه الله ، وكان في سياق التوصية ببيع البترول بعد تحويله إلى طاقة بدلاً من بيعه خام بأثمان منخفضة ، و لعل الوقت حان لتحقيق الفكرة.
وكل هذه المصادر تستجلب أمولاً من الخارج ، وتخلق فرص عمل إضافية للمواطنين ، و لها صفة الاستمرارية و الاستدامة ..
و أخيراً أقول لابد لنا من تحديد هويتنا الاقتصادية و مصادر دخلنا المتنوعة الأساسية ، لنتمكن من إعداد برامجنا التعليمية و التأهيلية و التنظيمية التي تدعم نجاحها و استدامتها لصالح الشعب.
و الله ولي التوفيق.
د. فائز صالح جمال
10/06/1437هـ
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
|
الإثنين |
12/06/1437 |
21/03/2016 |
مكة المكرمة |
799 |
الرأي |
التعديل : حذف ما تحته خط |
|||||
799 التجارة و الصناعة الرأي 12/06/1437 صحيفة مكة رابط المقال على النت http://makkahnewspaper.com/article/136724