التوطين حق مشروع وتحقيقه ليس ببث الكراهية
عشت الأسابيع الماضية معركة طويلة مع عدة أطراف حول توطين الوظائف ، و لفتني أن هناك غياب للمعلومات و الحقائق الواقعة في سوق العمل و احتياجاته حتى لدى بعض الأكاديميين ، و أن هناك هيمنة لفكرة أن الوافدين هم سبب بطالة أبناءنا ، و حماسة لدى البعض لإخراجهم من البلاد رغم أهمية ما يقدمونه من خدمات للمجتمع و للتنمية ، و أن نَفَس الكراهية بدأ يتنفس..
إن غياب المعلومة الصحيحة يعني أن القرارات تُبنى بأسلوب التجربة و الخطأ و أحياناً خبط عشواء ، و حتى المقترحات و الحلول لمشكلة البطالة تصبح في وادي و المشكلة في وادٍ آخر ، و هو ما يفاقم المشكلة و لا يحقق أثر إيجابي للحلول ..
و أما قول البعض أن الوافدين هم سبب بطالة أبنائنا ففيه مجافاة للحقيقة ، فالوافدون يتم استقدامهم بناءً على الحاجة ، و غالبيتهم العظمى يعملون في وظائف لا يٌقبل عليها أبناؤنا ، و ترديد هذه الفكرة عبر وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي يتسبب في شحن نفوس أفراد المجتمع والعاطلين عن العمل و ينمّي مشاعر سلبية تجاه الوافد و يبث الكراهية في نفوس المواطنين تجاهه .. ولهذه المشاعر وهذا الشحن ردود أفعال و مخاطر حقيقية على السلم الاجتماعي لابد من منعها بالحكمة و القرارات الرشيدة ..
كما أن ترديد هذه الفكرة يُوجّه صنّاع القرار إلى الحلول الخطأ ، و هذا ما نعيشه منذ عقود ، فالقرارات تصدر دون وضع يد صانعيها على لب و أسباب البطالة..
ذهبنا لقرارات سعودة قطاعات و وظائف بالكامل برغم علمنا بأنه لا توجد أعداد كافية من أبنائنا لإشغالها وحتى بصرف النظر عن رغبتهم و قدرتهم على العمل فيها ، و مثال ذلك قرار سعودة سائقي الأجرة ونقل الحجاج ، و سعودة سوق الخضار .. وتركنا العمل الجاد على تلمُّس الأسباب الحقيقية للبطالة ومنها أسباب متعلقة بثقافة المجتمع و نظرة بعض أفراده للأعمال اليدوية ، و أسباب متعلقة بتأهيل أبناءنا على الوظائف التي يحتاجها سوق العمل و بالأخص العليا منها وذات الدخل الأعلى و ذهبنا إلى الحلول (الإستقرابية) السهلة وهي إصدار قرارات سعودة المهن الدنيا ذات الدخل المنخفض كالتي ذكرتها قبل قليل ، و قرارات تفرض السعودي على القطاع الخاص بوسائل مختلفة دون النظر إلى توفر الأعداد الكافية من السعوديين لشغلها و لا إلى رغبتهم و قدرتهم على العمل فيها..
أصدرنا قرارات غير واقعية لسعودة عشرات الوظائف ، و لعدم توفر أعداد كافية راغبة و قادرة من السعوديين على شغل الوظائف المقصورة عليهم تم إشغالها بوافدين ولكن بمسميات مهن أخرى ..
هذا الوضع يعتبره البعض تحايل من مؤسسات القطاع الخاص ، وهو كذلك ، و لكنه بسبب القرار غير الواقعي الذي دفع أصحاب المؤسسات لهذا السلوك السلبي ، و قد سبق لي أن نبّهت في كتاباتي إلى ضرر هكذا قرارات على منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بدفع أفراده إلى التحايل و الكذب و التزوير تحت عنوان الاضطرار ، و حمّلت معالي المهندس عادل فقيه عندما كان وزيراً للعمل في حوار مع معاليه دار على طاولة الحوار الأكاديمي في كلية الإقتصاد و الإدارة بجامعة الملك عبد العزيز رسالة مفادها أن على وزارته التوقف عن إصدار قرارات غير واقعية و نقل هذه الرسالة لزملائه الوزراء حمايةً لمنظومة القيم الأخلاقية للمجتمع.
و هذا التحايل أدى إلى تشويه قواعد بيانات سوق العمل واحتياجاته الحقيقية من كل تخصص و كل وظيفة ، و هو ما يمنع اعتماد الحلول الصحيحة للسعودة.. وقد قلت هذا الكلام تحديداً لمعالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله في مؤتمر لوزراء العمل عُقد في البحرين و طالبته بإلغاء قرار حظر الوظائف و تحرير المهن بشكل كامل من أجل معرفة الأعداد المطلوبة لكل تخصص و وظيفة و بناء خطط التعليم الجامعي و المهني و التدريب على أساسها ..
ولازال للحديث بقية ..
د. فائز صالح جمال
23/04/1438هـ
بيانات النشر
اليوم |
التاريخ |
الصحيفة |
رقم العدد |
الصفحة |
|
الإثنين |
25/04/1438 |
23/01/2017 |
مكة المكرمة |
7110 |
الرأي |
التعديل : حذف ما تحته خط |
|||||
1107 عمل و توظيف الرأي 25/04/1438 صحيفة مكة رابط المقال على النت http://makkahnewspaper.com/article/591207