إلى متى ؟؟ (5)
الطوافة و المطوفون
نواصل في هذا الأسبوع تساؤلاتنا حول مهنة الطوافة و المطوفين ، ونركز علامة الاستفهام هذه المرة على الجانب الاقتصادي لمهنة الطوافة ، و على عنصر المنافسة المغيّب منذ سنوات طويلة ، فنتساءل :
إلى متى ستظل الوزارة تحمل راية أن ما يدفعه الحاج يُنفق على الحاج من ألفه إلى يائه ؟؟ و أن على المطوفين أن لا يتوقعوا تحقيق عوائد من وراء خدمتهم لحجاج بيت الله الحرام -وهذا ما أكده مؤخراً معالي وزير الحج في إحدى المناسبات للمطوفين- ؟؟
و إلى متى ستظل النظرة للمكاسب المادية المشروعة التي يحققها المطوفون فقط وكأنها مسبة و منقصة ، في حين أن هذه النظرة لم نلمسها مع غير المطوف على الرغم من أن غيره يحقق مكاسب أكبر بكثير مما يحققه ، بل إن موظفي الجهات الحكومية -و من بينهم بالطبع موظفي وزارة الحج التي تتبنى شعار (خدمة الحاج شرف لنا)- يحققون مداخيل إضافية نتيجة لتقديم خدماتهم المتعلقة بضيوف الرحمن ، فلماذا يُستكثر على المطوف تحقيق مثل هذه المكاسب ؟؟
إن التركيز على أن مهنة الطوافة ليست تجارية ، و أنها شرف للمطوف -وهي كذلك ولاشك- ، و أن على المطوف أن لا يتوقع تحقيق أي عوائد مادية ، و أن عليه أن يحتسب الأجر عند الله لقاء ما يقدمه للحاج ، يوحي بأن هناك تعارض بين تحقيق المكاسب المادية و الفوز بالأجر من الله ، في حين أن الأمر ليس كذلك إطلاقاً ، فالله سبحانه و تعالى جمع بين المنافع الدنيوية وبين ذكر الله في آية الحج ..
و توجه الوزارة نحو التقليل من شأن الجانب الاقتصادي لمهنة الطوافة ، وحث المطوفين الذين يتوقعون حصولهم على مكاسب مادية على الانسحاب من المهنة ، أدى بالفعل إلى انصراف المطوفين -مكرهين- عن مهنتهم التي شرفهم الله بها ، و عشقوها وتغلغلت فيهم حتى النخاع -كما يقال- ، ويؤكد ذلك الاجتماع الذي دعت إليه الوزارة لبحث وتحسس أسباب عزوف المطوفين عن مهنتهم ، و قد سبق لنا أن توقعنا مثل هذا العزوف ، بل و نتوقع المزيد إن لم يتم تدارك الأمر و إعادة الأمور إلى نصابها .
فتجاهل الجانب الاقتصادي لمهنة الطوافة لا ينسجم مع طبائع الأمور ، و هو أحد أسباب -و ليس الوحيد- عزوف أبناء المهنة عن مهنتهم ، بل إن هذا التجاهل و هذا التقليل من شأن الجانب الاقتصادي ، و اعتبار أن تحقيق إي مكاسب مادية مشروعة هو مسبة ومنقصة في حق المطوف ، لا ينسجم مع قول الله تعالى في حق حجاج بيته العتيق فضلاً عن المطوفين : {.. ليشهدوا منافع لهم ، و يذكروا اسم الله في أيام معدودات ..} ، ويدخل في هذه المنافع البيع والشراء والتكسب من وراء ذلك ..
إن المتمعن في أوضاع مؤسسات الطوافة و مسيرتها المالية يلحظ أن هناك تراجعاً كبيراً في مراكزها المالية عاماً بعد عام ، فلقد تراجعت عوائد أسهم المطوفين خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير ، و من المتوقع تلاشيها تماماً ، أو تكاد بعد موسم هذا العام 1419هـ في بعض المؤسسات ، و رواتب المطوفين -بعد أن تحولوا إلى موظفين في مؤسسات الطوافة- هي الأخرى في تراجع مستمر عاماً بعد عام ، و لا أدري على ماذا نحن مقبلون ، و لا أي مستقبل ينتظر هذه المهنة ؟؟ و ما هو تصور الوزارة لتطور المهنة والخدمات التي تقدمها في ظل مثل هذا التراجع الكبير للأداء المالي لمؤسسات الطوافة ، و التي أصبحت هي نفسها تعاني من ضيق ذات اليد ؟؟
و لعل هذا يقودنا للسؤال عن رسوم الخدمات المحددة منذ ما يقارب الخمسة و عشرين عاماً ، و إلى متى ستبقى دون زيادة ، في حين أن جميع تكاليف تلك الخدمات تضاعف خلال العقدين الماضيين ؟؟
وأما فيما يتعلق بالمنافسة فإنني أذكر أن معالي وزير الحج الدكتور محمود بن محمد سفر ركّز في حديثه لمطوفي حجاج الدول العربية بعد توليه لمنصبه كوزير للحج على روح المنافسة كمحور أساسي في عملية التطوير والتحسين للمهنة والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ، و وعد بالعمل على كل ما من شأنه بث روح المنافسة بين المطوفين لتقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام والتي فُقدت أو كادت في السنوات الأخيرة ، و أتساءل عما تم منذ ذلك التاريخ وحتى الآن من أجل بث هذه الروح بين أبناء المهنة ؟؟
و الله المستعان ، و هو حسبنا و كفى .
1/11/1419هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : السبت الموافق 4/11/1419هـ
في صحيفة : الندوة رقم العدد : 12252 صفحة رقم : 9 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12252 الحج و الطوافة الرأي 4/11/1419 الندوة رابط المقال على النت http://