إذن لاخلاف بيننا !!
سُررت كثيراً بتعقيب أخي الكريم سعادة الدكتور عبدالقادر طاش في مقالين نُشرا له في زاويته نقطة ضوء بهذه الصحيفة يومي الخميس والجمعة الماضيين 21و22/5/1417 ، على مقالتي التي نُشرت الإثنين الماضي حول مفهوم عمل المرأة لأسباب ، أولها أن التعقيب جاء من شخص الدكتور عبدالقادر طاش الكاتب القدير المتمكن واسع الاطلاع ..
، ثم لأنه أثرى الحوار حول هذا الموضوع الهام والحساس وأضاف معلومات علمية وموثقة تؤيد ما ذهبت إليه في مجال تصحيح مفهوم عمل المرأة ، وأثبتت أن من سبقونا في مجال عمل المرأة خارج بيتها بدءوا يعيدون حساباتهم من جديد ، بل وذهب البعض منهم إلى تشجيع عودة المرأة إلى بيتها لترعى زوجها وأولادها ، لما لمسوه من نتائج إيجابية لذلك على الأسرة والمجتمع ، ومن سعادة النساء بالمكوث في بيو تهن و ممارسة الدور الطبيعي لهن .
ولعله اتضح لمن اطلع على المقالات أننا لسنا على خلاف حول عمل المرأة من حيث المبدأ ، وكذلك لسنا على خلاف على أهمية دور المرأة غير العاملة والمتفرغة لشئون بيتها ورعاية زوجها وأبنائها .
ولكن ما حثّني على الكتابة حول الموضوع عدة أمور ، من بينها دعوة الدكتور طاش للتفكير لإيجاد الحلول لمواجهة ما أسماه التحدي الكبير والمتمثل في عدم توفر فرص عمل تستوعب الأعداد الهائلة من مخرجات تعليم النساء ، ولكن الأهم هو الخوف من أن يدفعنا هاجس توفير فرص عمل للمرأة إلى أن نتساهل أو نتجاوز أو تختلط علينا الألويات فنصل إلى ما لا يُحمد عقباه .
فقد لمست وغيري من البعض حماساً شديداً لعمل المرأة وحرصاً على توفير فرص عمل لهن أكثر من الحرص على توفير فرص العمل للرجل ، ولعل مثل هذا الحماس يبدو جلياً في مقالة (المأزق النسوي) للأستاذ عبدالله أبوالسمح ، والتي نُشرت في صحيفة عكاظ السبت 9/5/1417هـ ، فقد اندفع في حماسه إلى الدعوة – بشكل غير مباشر ولكنه واضح – لاختلاط المرأة بالرجل في العمل و أنه لا يرى بأساً في ذلك ، بل واعتبر أن ذلك من ضروريات العصر ، فحسبما كتب “فالنساء شقائق الرجال يعيشون في كوكب واحد ، ولدوا من بطن واحدة ، .. إلى أن يقول : ويؤدون شعائر الدين وواجباته في أماكن واحدة ودون تفرقة ، ولم تردنا توجيهات أو أوامر إلاهية بجعل أسواق متفرقة” وكلامه هذا حق ولكن أُريد به غير ذلك .. ثم وجه الدعوة لنا للاقتداء بدول اسلامية يرى أنها محافظة ومتمسكة مثلنا بتعاليم ديننا الحنيف ، ولا أدري كيف رآها كذلك في حين أننا بحمد الله نموذج متفرد في المحافظة والالتزام بتعاليم الدين الحنيف ، وتجربتنا في تعليم وعمل المرأة فريدة من نوعها وتتطور مع تطور العصر ولكن ضمن ضوابط الشريعة الاسلامية . ثم اشترط لتحقيق دعوته عدم التورط في السفور الخليع أو الاختلاط الممجوج ، ولكنه لم يوضح لنا كيف يمكن أن يكون الاختلاط في أماكن العمل غير ممجوج ؟! وهنا ذكرني بالقائل :
ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إياك إياك أن تبتل بالماء .
إنني في دعوتي لتصحيح مفهوم عمل المرأة لم أطالب بأن تبقى جميع النساء في البيوت ، وليس هذا ما أريده ، وإنما أردته هو أن يكون في تصحيح مفهوم عمل المرأة والتأكيد على دورها كزوجة وأم ، ما يساهم في مواجهة ما سُمي بالتحدي الكبير ، وإلاّ فكما ذكر سعادة الدكتور عبدالقادر طاش أن توقع اختيار جميع الخريجات البقاء في بيوتهن ، هو توقع غير واقعي على الاطلاق ، فكذلك توقع امكانية توفير فرص عمل لجميع الخريجات هو توقع أيضاً غير واقعي على الاطلاق ، في ظل ما نعيشه من ظروف وتزايد أعداد الخريجين والخريجات وتضاؤل فرص العمل أمامهم .. لذلك ففي ما أتصوره أن مما يساهم في تحقيق شيئاً من التوازن بين فرص العمل المتاحة وبين الطلب عليها ، هو تصحيح مفهوم عمل المرأة وتشجيعها على البقاء في بيتها لرعاية أبنائها وزوجها ، وترك مهمة العمل خارج المنزل للرجل ، والتأكيد على أن ما تقدمه لمجتمعها من خدمات جليلة لا تقل قدراً ولا أهمية عما تقدمه شقيقتها العاملة خارج بيتها .
ولعله من المناسب في ختام هذه المقالة أن أكرر دعوة الدكتور طاش المنضبطة والرشيدة إلى التفكير في إيجاد صيغة حضارية لعمل المرأة خارج المنزل بعد التخلص من العيوب والنواقص التي لحقت به وجعلته مضرا عوضا عن أن يكون نافعا ، وأوجه الدعوة أيضاً للتفكير في كيفية إيجاد صيغة عملية وحضارية لعمل المرأة في منزلها ، ولا أعنى الأعمال المنزلية المعتادة ، وإنما أعني الانتاج والعمل بمقابل مادي ، فقد أصبح من الممكن للمرأة العمل من بيتها في مجالات عدة مثل أعمال الخياطة والتفصيل وطباعة البحوث والأعمال الفنية وبرمجة الحاسب الآلي وغيرها مما لايتطلب تواجداً في مكان بعينه ، فلو وُجدت صيغة عملية لتطبيق مثل هذه الفكرة فإننا سننجح في إيجاد فرص عمل مناسبة للمرأة وفي نفس الوقت لا تتعارض مع دورها الأساسي ، وبذلك نكون كمن جمع بين الحسنيين .
والله المستعان وهو ولي التوفيق .
23/5/ 1417هـ فائز صالح محمد جمال
بيانات النشر
نُشر : يوم : الإثنين الموافق 25/5/1417هـ
في صحبفة : المدينة المنورة رقم العدد : 12233 صفحة رقم : 11 (الرأي) .
التعديل : لا يوجد .
12233 المرأة الرأي 25/5/1417هـ المدينة رابط المقال على النت http://